كبيرة، ودعا قومه بكل صراحة إلى ضرورة الأخذ بها لأن اللغة العربية لا تتسع في نظره لكل المصطلحات كما كانت في الماضي. واعتبر الفرنسيين متفوقين ليس فقط على الجزائريين ولكن على الأجناس الأخرى أيضا. ونبه الجزائريين إلى أن المصريين استفادوا من اللغة والعلوم الفرنسية بقيادة حاكمهم محمد علي باشا. وأما كون الجزائر ليس لها حاكم مثل محمد علي باشا فهذا لا يهم الشيخ محمود (١). وقال إنه من الحماقة والبلادة عدم تعلم الفرنسية وعلومها. فهو يقول:(صارت اللغة الفرانسوية وكتابتها في هذه الأعصر وسيلة لا غنى عنها في العلوم على اختلافها وسائر الصنائع وفنونها، خصوصا الطب والهندسة والحساب والتنجيم والجغرافية والطبيعيات والرياضيات، وما يتفرع عنها). ثم مدح أهل فرنسا على داعتهم في هذه العلوم والصنائع، وقال إنه لا يمكن الوصول إلى ما ذكره إلا باللغة الفرنسية وكتابتها (لعدم وجود اللفظ العربي لمسمياتها). ونلاحظ أنه يلح على (كتابتها) لأن المقصود ليس مجرد التعلم الشفوي لها، أو الحديث بها. وفي نظره أن العلم قد ازدهر عند العرب في العصور السالفة ونشطت حركة الترجمة، ولكن حان الوقت الذي انتقلت فيه العلوم إلى فرنسا (وبلغت أوجها بمدينة باريس، ولا يوجد من حكماء الإفرنج من يضاهي حكماءها).
وإذا كان الأبعدون يذهبون إلى فرنسا لطلب العلم فيها (كيف نحن المقيمون معهم (أي الفرنسيين) والمحتاجون لمخالطتهم ... حيث أننا تحت حمايتهم، ولا نفقه لسانهم؟ فهذا هو غاية الحماقة وشدة البلادة) إن فرنسا (لحنانتها) على الجزائريين قد فتحت المدارس لتعليم لغتها والكتابة بها في كل ولاية، وأنشأت كذلك مراكز لتعليم الصنائع. فالواجب على أولياء التلاميذ عدم ترك أولادهم نهبا للإهمال والضياع، لأن إرسالهم إلى المدارس الفرنسية وتعلم العلوم بها سيضمن لهم حياة سعيدة. ومما قاله إن عندنا
(١) كان الشيخ محمود يسمى الاحتلال (حماية)، ويقول إن فرنسا تحن على الجزائريين. ويسمي سياستها (حنانة) وإحسانا. وهي تعابير استعملها غيره أيضا وتدل على تأثير مدرسة المبشر في هذه الفئة.