للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجزائريين كانت تزكي مشاريع الفرنسيين. فالشيخ محمود وإن لم يكن مفتيا فهو من عائلة تولت الفتوى. ولم يكتب الشيخ محمود رأيه في الانتخاب كوسيلة من وسائل العمران والتحضر في جريدة المبشر بالأصالة وإنما نشرها في جريدة مشرقية ذات صيت ذائع، وهي (الجوائب) التي كان يديرها أحمد فارس الشدياق من اسطانبول. وقد نقلتها المبشر عن الجوائب (١). وإذا علمنا أن السلطات الفرنسية في الجزائر كانت على علم بكل صغيرة وكبيرة تصدر عن الجزائريين، وأن الشيخ محمود كان موظفا (إماما) في المدرسة السلطانية، علمنا أن مقالته في جريدة (الجوائب) قد مرت قبل كل شيء بإدارة الشؤون الأهلية، وأن نشرها في الجريدة المذكورة كان له هدف في السياسة الفرنسية في المشرق أيام أزمة جبل لبنان وتدخل فرنسا في الشؤون العثمانية. ولكن أين للشيخ محمود معرفة كل ذلك (٢)؟.

والانتخابات المشار إليها تتعلق بانتخابات أعضاء من الجزائريين إلى المجالس البلدية بدل التعيين. وهو مبدأ له مكانته في النظم السياسية الحرة، ولم يكن الجزائريون أحرارا ولا كانت النظم الخاضعين لها كذلك. وقد أصدر ماكماهون ذلك في فترة كانت الجزائر تعالي فيها من الجوائح المزمنة التي ضربت منذ ١٨٦٧، كما كانت تعاني من إطلاق ماكماهون نفسه اليد للكاردينال لافيجري، زعيم الكنيسة الكاثوليكية في الجزائر، الذي أنشأ الملاجئ لجمع الأيتام وتنصيرهم في خضم الجوائح المشار إليها. وهل كان الشيخ محمود على علم بكل ذلك؟ لقد قال عن قانون الانتخابات أنه ذو


(١) المبشر ٢١ يناير ١٨٦٩. ولم يكن يغيب عن السلطات الفرنسية أن الشيخ محمود أرسل مقالته إلى جريدة (الجوائب) العثمانية. ولا ندري لماذا أخرت نشرها إلى ما بعد ظهورها في المشرق؟.
(٢) وظفت السلطات الفرنسية أيضا الشيخ محمد بن عبدالله الزقاي، خريج الأزهر، وشيخ مدرسة تلمسان، في عدة وظائف تتصل بالقضاء، ومن هذه الوظائف كتابة مقالة في مدح المرسوم المشيخي ١٨٦٣ حول تحويل ملكية الأرض من جماعية قبلية إلى فردية. وشرح القانون الذي سماه (التحديد) أي تحديد الأراضي. وعنوان مقالته: (تنبيه أكيد لمن عساه يغفل عن فائدة التحديد). المبشر، ٢٨ نوفمبر، ١٨٦٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>