للسمرقندي الذي كانت لديه (والد الجبرتي) نسخة منه. وحاول الحاج الجزائري إغراء الشيخ الجبرتي بشراء نسخته منه، ولكن الجبرتي أبى أن يسمح في نسخته العزيزة عليه. وبعد أن أدى الرجل الجزائري فريضة الحج عاد إلى مصر وحضر لدى الشيخ الجبرتي ومعه رزمة كبيرة من الكتب من بينها نسخة من الزيج المذكور، وقال للجبرتي، وهو يطلعه على النسخة التي اشتراها بالحرمين (أيهما أحسن، نسختك التي ضننت بها أو هذه؟ وكنت لم أرها قبل ذلك، فرأيتها شقيقتها وتزيد عنها في الحسن صغر حجمها وكثرة التقييدات بهامشها) وقد أخبر الحاج الجزائري الشيخ الجبرتي بأنه اشترى نسخة الزيج بعشرين ريالا فقط من كتاب المجسطي وكتاب التبصرة وشرح التذكرة ونسخة البارع وزيج ابن الشاطر (وغير ذلك من الكتب التي لا توجد في خزائن الملوك، وكلها بمثل ذلك الثمن البخس، فقضيت أسفا، فأخذ الجميع، مع ما أخذ، وذهب إلى بلاده)(١).
ورغم أن والد الجبرتي لم يكشف عن اسم هذا الجزائري فإنه يبدو انه كان من العائلات الغنية لأن نفس المصدر تحدث عن خادم معه، كما يبدو أنه كان من العلماء والرياضيين خاصة، وليس من الفقهاء، لأن معظم الكتب المذكورة كتب علمية، ثم إن دخول هذه الكتب إلى الجزائر في أواخر القرن الثاني عشر موضوع يؤكد عناية الجزائريين بالكتب والاستفادة منها. وقد صدق الجبرتي حين قال إن مثل هذه الكتب لا توجد حتى في (خزائن الملوك) لأنها كتب نادرة حقا. ونحب أن نلاحظ أن هذا الحاج الجزائري لم يكتف بما اشتراه من الحجاز بل اشترى كتبا أخرى أيضا من مصر. وهذا ما تشير إليه عبارة الجبرتي (فأخذ الجميع مع ما أخذ) وسنعرف أن من مشاهير الجزائريين الذين حجوا وكانوا بمصر حوالي ذلك التاريخ هم أحمد بن عمار وعبد الرزاق بن حمادوش الذي اشتهر بالطب والرياضيات.