ذلك في فصل التعليم، وعرفنا أن الفرنسيين اتخذوا منها أداة لدمج الجزائريين في البوتقة الفرنسية. وكانوا قد بدأوا ذلك منذ الشهور الأولى للاحتلال، ولكن الجزائريين كانوا لهم بالمرصاد، فقاطعوا في البداية المدرسة الفرنسية، وتمسكوا بمدرستهم. فرد عليهم الفرنسيون بقطع جميع الموارد على المدرسة العربية - الإسلامية ومصادرة أوقافها وتشريد معلميها وهدم مؤسساتها. ولم يكن غرض الفرنسيين هو (نشر التعليم) كما قد يتخيل البسطاء، وإنما إنشاء مراكز تدريبية على الأفكار الفرنسية والعادات والمدخل إلى اللغة الفرنسية، أي إحداث زعزعة في الذهنية الجزائرية، وفصل الأطفال عن ذويهم عقليا، وتكوين جيل لخدمة المصالح الفرنسية، عن طريق التثاقف. ثم لعبت المدرسة الفرنسية دورا، غير نزيه لا يليق بالعلم والحضارة، وهو إعطاء بعض الجزائريين كميات من العلم وحرمان الآخرين منه، وكان ذلك من باب التفريق بين المواطنين وإشعار البعض منهم بأنهم أكثر تفوقا على جيرانهم وأنهم أصبحوا يشبهون الفرنسيين نشاطا وأصولا، ومعيشة. ولكن عندما وصل هؤلاء المتعلمون الجزائريون إلى درجة المطالبة بحقوقهم أجابهم الفرنسيون بأنهم (أندجين) كالآخرين. وقد نجحت المدرسة الفرنسية، مع ذلك، في تكوين أقلية اندماجية (نخبة) أصبحت بالتدرج مفصولة عن المجتمع، ودون أن تصعد إلى مصاف الفرنسيين في المعاملة.
ويتصل بهذه الوسيلة الخطيرة وسيلة أخرى لا تقل خطورة في التحكم في مصير الجزائريين والسيطرة الاستعمارية على مقاليدهم، ونعني بها الهيمنة على الشؤون الإسلامية. ذلك أن الفرنسيين قد وضعوا أيديهم على كل المعالم والمؤسسات الإسلامية من مساجد وزوايا ومكتبات وأوقاف وحج، بل حتى رؤية هلال رمضان والإعلان عن عيد الأضحى. ثم أنشأوا إدارة سموها (إدارة الشؤون الأهلية)، أصبحت هي التي تختار الأيمة والمدرسين وقراء القرآن على الموتى، وهي التي توظف وترتب الرتب وتكافئ وتعزل رجال الدين. وهي التي ترفع وتخفض رجال الطرق الصوفية بالسماح لهم (بالزيارات) أو منعها عنهم. وهي التي تفتح أو تغلق الزوايا. كما أن هذه