الإدارة ومن يمثلها في المقاطعات البعيدة كانت هي التي تمنح رخصة التعليم (الحر) أو ترفضها، أي رخصة فتح المدارس القرآنية. وكانت أيضا هي التي تشرف على شؤون الحج. فمن شاءت حججته ومن شاءت حرمته.
كما كان التحكم في القضاء من أبرز وسائل الهيمنة الاستعمارية. والحقيقة أن التدخل في القضاء الإسلامي بدأ منذ الاحتلال، ثم جرت عدة تدخلات أخرى سنوات الأربعينات والستينات أدت إلى تقليص دور القضاة المسلمين وإعطاء صلاحياتهم للقضاة الفرنسيين، أو إذا شئت إحلال الأحكام والقوانين الفرنسية محل الشريعة الإسلامية في بلاد إسلامية تعهدت فرنسا على لسان ممثلها سنة ١٨٣٠ باحترام دين أهل البلاد وتقاليدهم. ولم تحل سنة ١٨٨٦ حتى رمى الفرنسيون بكل مواثيقهم وعهودهم في الهواء وأعلنوا تجريد القضاة المسلمين من كل صلاحياتهم تقريبا، فأنشأوا نظام المحلفين (الجوري)، وهو نظام لا تعرفه الشريعة الإسلامية، وجعلوا المحلفين من الفرنسيين فقط، في كل القضايا الجنائية. ولم يبق للقضاة المسلمين إلا تسجيل شؤون الزواج والطلاق والتركات. وفي ١٨٩٠ ألغيت المحاكم الإسلامية ولم يبق منها سوى ٦١ من مجموع ١٨٤ محكمة. كل ذلك تطبيقا لمبدإ السيادة الفرنسية، فقد قال الحاكم العام (ديقيدون) ذات مرة بأن على القاضي المسلم أن يتوارى أمام القاضي الفرنسي لأن هذا هو الذي يمثل الاحتلال والسيادة.
وفي سنة ١٨٨٢ سن الفرنسيون سنة غير حميدة للجزائريين عندما فرضوا عليهم تغيير الحالة المدنية التي كانوا عليها وتطبيق نظام الحالة المدنية الفرنسي عليهم فرضا. فكل (أندجين) كان عليه أن يحمل بطاقة تعريف وأن يختار لقبا عائليا، وأن يصرح جبرا بالزواج والطلاق. وكان الهدف، كما صرح بذلك المشرعون لهذا النظام الجديد أنفسهم، هو فصل الجزائريين عن إطار قوميتهم وانتمائهم الحضاري الذي عاشوا داخله منذ قرون. فالعرش (القبيلة) انقسم إلى عائلات، وكل عائلة أصبح لها لقب خاص بها بقطع النظر عن كونها تشترك أو لا تشترك مع مجموع عائلات العرش في الانتماء للجد