كان أجداد بيرك ينظرون إلى محند على أنه عربي من الحجاز بانين بذلك من الجزائر شرقا خياليا. لقد تغير الحال وأدرك الفرنسيون خطأهم وصححوا موقفهم، وهو أن الجزائر فرنسية وغير شرقية وأن محند ليس عربيا من الحجاز. وإنما هو فلاح جيد من بقايا الاحتلال الروماني، وهو أيضا فلاح جيد لخدمة الاقتصاد الفرنسي، لأن أكبر عبقرية إداري فرنسي في الجزائر كان، في نظر بيرك، فلاحا، وهو المارشال بوجو، فهو الذي سن سياسة البندقية والمحراث. وما رفيق (محند) إلا فلاح الكولون الذي يعجب به بيرك أشد الإعجاب لأنه هو أيضا من الكولون.
وقد ذكر بيرك كيف تغير الحال على محند، وحصر ذلك في الاقتصاد الفرنسي وفي التشريعات. وجاء على ذكر التواريخ الهامة التي حاولت التشريعات خلالها أن تقتلع جذور المجتمع الجزائري. وفي نظره أن تشريع ١٨٦٣ قد أسس الأسرة على أنقاض القبيلة، والفرد على أنقاض العرش، ولكن بيرك لم يذكر أن الأرض التي كانت للقبيلة والعرش وتحولت إلى الأسرة والفرد قد انتزعت منهم أيضا وأعطيت للغرباء، أولئك الكولون الذين يقول بيرك عنهم إنهم رفقاء محند في عهد الصداقة الفرنسية. أما تشريع ١٨٨٢ الذي أنشأ الحالة المدنية واللقب العائلي، فقد نظر إليه بيرك على أنه قد جاء بسيكولوجية (الأنا) والفردية بدل الارتباط بأصول غير واضحة (!) وهل اتضحت للفرد (الأنا) شخصيته عندما اختار لقبا عائليا خاصا به وانقطعت صلته بماضيه وبعائلته الواحدة؟ ورأى بيرك أن قانون الأرض الصادر سنة ١٨٩٧ قد أنشأ طبقة من الفلاحين الجدد - طبقة وسطى أو نوعا من البرجوازية الريفية الصغيرة، منغرسة في الأرض، ولا تطلب من فرنسا إلا حمايتها وأمنها. ثم امتدح بيرك تشريعات أخرى رآها تحقق لصديقه (محند) السعادة والديموقراطية والتعاون الحقيقي، ومن ذلك إلغاء الضريبة العربية سنة ١٩١٨، والتنقيص من الامتيازات المشروطة عند الاقتراع العام، ووضع أطر الديموقراطية في إصلاحات ١٩١٩، بل إن الخدمة العسكرية الإجبارية رآها بيرك قد حطمت علاقات الدوار، وأحلت محلها صداقة الخدمة (مع