كما زعم أن القرآن عندهم ليس قانونا ولا دستورا سياسيا وإنما هو كتاب دين فقط. وهم في القضايا المدنية والسياسية يحتكمون إلى العرف (القانون الذي جاء اسمه من (الكانون canon) عند الرومان، وعند المسيحيين. وهذا العرف (الكانون) مثله مثل الكنيسة البدائية، إنما تشرعه جماعة المؤمنين. وذهب وارنييه في مزاعمه إلى أبعد من ذلك حين قال إن أغلب البربر كانوا يحملون الصليب في شكل وشم على الجباه والوجنات. وقال إنهم أكثر تسامحا من غيرهم في الشؤون الدينية. والدليل على ذلك عنده وجود كنيسة مسيحية في جزيرة جربة. فالحضارة البربرية تتبع في نظره، الحضارة الرومانية والمسيحية مثلها في ذلك مثل حضارة أوروبا الغربية، عدا الدين الإسلامي الذي جاء به العرب. وهكذا فإن التنظيم البلدي - نظام الجماعة - موجود عند البربر والعرب معا، ولكنه عند البربر أقرب إلى التنظيم الأوروبي. إن القبيلة عند البربر عبارة عن بلدية داخل ولاية (١).
وفي ميادين الخدمة العسكرية، البرية والبحرية، لاحظ د. وارنييه ملاحظات عديدة على الجندي البربري من عهد القرطاجيين والرومان إلى عهد الاحتلال الفرنسي. ووجد أن الجندي البربري أكثر مهارة وقدرة على الحملات البعيدة من غيره. ذلك أن جيش حنبعل الذي غزا أوروبا - مدينة رومة - كان من البربر فقط، وأن أسطول قرطاج كان منهم، كما أن الرومان ساهموا في استمالة المؤهلات العسكرية، البرية والبحرية، للبربر. وكان الفرسان العرب الذين عبروا المضيق (مضيق جبل طارق) سيتخلون عن مشروع الفتح لولا دعمهم بجيش عرمرم من المشاة البربر. كما أن الأسطول الجزائري أثناء العهد العثماني قد صنع من الخشب المجلوب من زواوة وبأيدي العمال البربر، وكان على هذا الأسطول عمال (بحارة) من البربر. وكانت بعض البلدان، مثل تونس، تعتمد على مشاة زواوة (الزواف). لقد كان البربر دائما، عسكرا جيدا وبحارة مهرة. وكانت في الجزائر أثناء كتابة
(١) د. وارنييه (الجزائر أمام الامبراطور)، مرجع سابق، ص ١٢، ٢١، ٥٣.