للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رجوعها ظافرة، والتهنئة بمواليدهم، وحضور حفلاتهم، وتقديم البلغة الصفراء لهم عند دخولهم المساجد .. أما عن الهجرة فقد قال ابن رويلة مخاطبا المفتي الكبابطي: لعلكم ظننتم أن الله لا يعبد إذا خرجتم من الجزائر وأن شريعته لا تطبق (١).

ورغم تمسك الكبابطي بعدم الهجرة فإنه قد وجد نفسه مجبرا عليها سنة ١٨٤٣، أي بعد حوالي سبع سنوات من دفاعه القوي على البقاء ما دام الفرنسيون قد سمحوا بالعبادة. ويبدو أنه كان مقتنعا بالبقاء والمقاومة بمختلف الوسائل، وكان يعرف ما حصل لأهل الأندلس، وهو منهم، الذين لم يهاجروا. وأثناء مقاومته لتدخلات الفرنسيين في الشؤون الدينية واستيلائهم على الأحباس وإدخالهم اللغة الفرنسية في الكتاتيب القرآنية، اصطدم مع إدارة المارشال بوجو، فحكم عليه بالنفي إلى جزيرة سان مرغريت (فرنسا)، ثم سمح له بالإقامة في مصر، حيت توفي بالا، سكندرية (٢). من عجائب الزمن أن ابن رويلة أيضا. قد مات في المنفى، وأن ابنه الذي خطفه الفرنسيون، قد

قتل في ثورة أولاد سيدي الشيخ (سنة ١٨٦٤).

وقد انتصر علي بن الحفاف لصهره ابن رويلة أثناء هذه الخصومة. ونحن نعرف أن ابن الحفاف هذا قد رجع إلى الجزائر وأعيدت إليه بعض أملاكه ووظفه الفرنسيون على أساس أنه من أعيان العلماء، بناء على فكرة وهي أن من جاءهم طائعا من الجزائريين سيخلص في خدمته فهو أفضل من غيره، رغم أنهم أقروا بعداوته لهم. والغريب أيضا أن ابن الحفاف الذي تولى القضاء والفتوى وحج بيت الله، قد ظل يحلم بالهجرة من الجزائر ولم تطب نفسه للإقامة بها تحت الفرنسيين حتى بعد أن طال مكثه في الوظيفة. وقد صارح بذلك الشيخ محمد بيرم الخامس عند زيارته الجزائر


(١) انظر النص في قنان (نصوص سياسية)، ص ١١٩ - ١٢١ عن مخطوط المكتبة الوطنية، رقم ٢٠٨٣.
(٢) انظر دراستنا عنه في كتابنا (أبحاث وآراء)، ج ٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>