للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حوالي ١٨٧٨، فنصحه بيروم بالبقاء خدمة للدين والعامة، وقد توفي في الجزائر سنة ١٣٠٧ هـ (١).

أما محمد بن الشاهد فقد فصل القول في قضية الهجرة، وكان يرد على صاحب رسالة غير مذكور، ولكننا نرجح أنه هو قدور بن رويلة أيضا. وخلاصة رأي ابن الشاهد أن الهجرة المطلقة إنما هي واجبة على من لم يتمكن من إقامة شعائر دينه وكان قادرا على الهجرة، أما العاجز عنها بدنيا أو ماليا فلا تجب عليه. وأورد أدلة عديدة، منها أقوال بعض المفسرين، وحكم الفقهاء بكراهية التجارة في دار الحرب دون التحريم، وذكر هجرة الصحابة إلى الحبشة، وهي دار حرب عندئذ، لتمكنهم من العبادة فيها. وذكر أن علماء الأزهر الشريف لم يهاجروا عندما استولى الفرنسيون (الكفار) أنفسهم على مصر سنة ١٧٩٨. ولو هاجر العلماء وهم أطباء الأديان، لبقى العامة بدون مرشدين.

واعترف ابن الشاهد بأن كل الظروف كانت تجبر على الهجرة، ولكن وقتها لم يحن بعد بالنسبة للبعض. فالفرنسيون قد هدموا المساجد وبعثروا المقابر واستولوا على الأحباس. ولكنه صرح بأن المساجد ليست هي الدين، وأن العبادة ممكنة في أي مكان مناسب. ثم إن البقاء مع الكفار لا يعني الرضى بحكمهم وإنما العجز هو الذي فرض ذلك. وقال قولته الشهيرة: (كيف يتصور في أذهانكم أننا نرضى بالكفر ونحب معاشرة أهله، وقد غلت أسعارنا، وتقطعت صنائعنا، وانهدمت حوانيتنا، وتعسرت مكاسبنا، وحفرت مقابرنا، ونبشت ضرائح أوليائنا، وما حصلت هذه الأشياء إلا بسبب دخوله؟ وأي عز لنا في هذه الأشياء حتى نرضى بها؟ والله الذي لا إله إلا هو: نحن إذا أصبحنا لا نريد أن يمسي معنا، وإذا أمسينا لا نرد أن يصبح معنا).

إن الناس فئات. والطلبة (العلماء) الذين ذكرهم صاحب الرسالة، ليس لهم مال يهاجرون به. لأن موردهم الأساسي هو الأحباس. وقل من له دار أو


(١) انظر عن ابن الحفاف فصل السلك الديني والقضائي.

<<  <  ج: ص:  >  >>