للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حانوت، ولا يعدو دخلهم بضع دينارات لا تكفي لعيشهم، فما بالك بالهجرة. وعامة الناس حكمهم حكم الطلبة أيضا، فهم فقراء أو عاجزون. وأما من له مال وبقي إلى الآن فأسباب بقائه مختلفة، فإما كان له عقار يريد بيعه ولم يتيسر له ذلك، وإما له ديون يريد تحصيلها قبل الهجرة، وإما له عائلات كبيرة ينتظر الوقت لتنظيم أمورها. ثم إن هجرة الرسول (صلى الله عليه وسلم) لم تحدث دفعة واحدة. ويفهم من هذا الكلام أن ابن الشاهد وأمثاله الباقين تحت حكم الفرنسيين أنهم جميعا كانوا على أهبة الهجرة، ولكنها مسألة وقت فقط، فهو يقول: (الناس قاطبة على نية الارتحال والخروج. كل يتربص وينتظر الوقت ... هذا حاصل مكثنا في هذه البلدة) (١)، ورغم هذه النية، فإن ابن الشاهد قد أدركه الموت قبل تحقيقها. ومن العائلات التي هاجرت بعد ذلك إلى بلاد الشام عائلة مصطفى بن المرابط المذكورة.

وفي رسالته المعنونة (حسام الدين لقطع شبه المرتدين) أجاب الأمير عبد القادر إجابة صريحة بوجوب الهجرة من البلد الذي غلب عليه الفرنسيون. ويقصد الهجرة أو الخروج إلى المناطق التي كانت تحت سلطته. وقد كتب الرسالة المذكورة سنة ١٨٤٣، والغالب على الظن أنها كانت قبل الاستيلاء على الزمالة في نفس السنة. وقد عزز رأيه أيضا بآراء المفسرين وبالأحاديث وأقوال المغيلي وابن الحاج والونشريسي. ورد الأمير اعتذارات المعتذرين بعدم الهجرة مهما كانت الأسباب، بما في ذلك الخوف علن العائلة والرزق، والخوف من الجوع. واعتبر الأمير أن مال المسلم المقيم مع الكفار مال مباح لأنه ليس ماله. ورد على العلماء الجهلة في نظره القائلين (بمهادنة) العدو، لأن المهادنة في الحقيقة مخصوصة بالإمام أو نائبه وليس لعامة الناس، لأن أحكام العدو سارية على المسلمين، فكيف يهادنونه (٢)؟


(١) رسالة ابن الشاهد في قنان (نصوص)، ص ١٣٦ - ١٤١. وقد عالج محمد بن عبد الكريم موضوع الهجرة في كتاب نشره بعنوان (حكم الهجرة)، وجاء فيه بآراء ونصوص العلماء المذكورين (ابن الشاهد، ابن رويلة، الكبابطي، ابن الحفاف).
(٢) ذكر ذلك محمد بن الأمير عبد القادر في (تحفة الزائر)، ط. ١٩٠٣، ج ١، ص ٤٤١. =

<<  <  ج: ص:  >  >>