ولا هم مسلمون. واعتبر الحكومة الاستعمارية حكومة (مبيدة ومهلكة)، لأن (العرب الأهالي مجردون من كل سلاح مادي وأدبي، ومنعوا من خصائص الإنسانية من الاجتماع والنطق والكتابة، ولا حرية لهم في ذلك)(١).
إن الفكر الاندماجي لم يمت عند بعض الجزائريين فقد بقي حتى بعد الاستقلال ولكنه اتخذ غطاء آخر كالتمسك باللغة الفرنسية وعملية التثاقف المستمرة عن طريق الزيارات ووسائل الإعلام والزواج والبحث العلمي.
...
وهناك علاقة بين التجنس والاندماج. وقد كان الجزائريون قبل ١٨٦٥ محتلين تعترف لهم الدولة المحتلة بدينهم وعاداتهم، لكنها لم تكن تعترف لهم بجنسية ولا يتمتعون عندها بحق المواطنة. وفي ١٨٦٥ صدر مرسوم ينص على أن الجزائريين رعايا فرنسيون يدينون بالإسلام، ولكن ليس لهم حقوق في المواطنة الفرنسية. ومن ثمة لا يتمتعون بالحقوق المدنية كحرية الاجتماع والصحافة والتعبير، ولا بالحقوق السياسية كالانتخاب والترشح للوظائف السامية. ذلك أن المواطنة الفرنسية في نظر الفرنسيين غير متلائمة مع الشريعة الإسلامية، والمسلم الذي تحكمه الشريعة لا حق له في المواطنة سواء كان مثقفا أو جاهلا، غنيا أو فقيرا. ولكن يمكنه أن يصبح مواطنا فرنسيا إذا ما تخلى طواعية عن أحكام الشريعة الإسلامية ودخل تحت طائلة القانون الفرنسي، ولا سيما في أحكام الأحوال الشخصية كالزواج والطلاق والإرث والوصايا. ورغم ما يبدو في هذا المرسوم من إغراء بالتمتع بالحريات المدنية والسياسية والمواطنة، فإن الجزائريين فضلوا البقاء على حالة الرعية تحت أحكام الشريعة الإسلامية مع الحرمان من تلك الحقوق ومع تعسفات قانون الأهالي التي لا وصف لها، لأن التخلي عن الأحوال الشخصية الإسلامية كان يعني الخروج عن الدين، وهو الردة والكفر عند المسلمين، وهو (التجنس) في مصطلح ذلك الوقت.
وإذا كان التجنس قد رفضه المسلمون عموما فقد كان غير محبب عند
(١) البصائر، عدد ٣١، ١٣٦٧ هـ، وقد نشر ذلك أيضا في كتابه (جماعة المسلمين) ص ٥٨.