الكولون أيضا. ذلك أنه يعني عندهم منافسة (الأهالي) لهم في حقوقهم الكثيرة، ويعني ذلك أيضا أن ثلاثة ملايين من الأهالي (سنة ١٨٦٥) سيطغون على حوالي خمسمائة ألف من الأوروبيين (نصفهم من الفرنسيين) وبذلك سترجع الجزائر إلى الأهالي بحكم الأغلبية والمواطنة. فكانت معارضة الكولون شديدة للتجنس الفردي للمسلمين، وكانت أشد من ذلك بالنسبة لتجنسهم الجماعي. وكانت هذه من القضايا التي التقي فيها رفض الجزائريين ورفض الكولون، ولكن لدوافع مختلفة.
غير أن التجنس الفردي، قد حدث. وكانت له شروط ضيقة لا تسمح لكل راغب أن يحصل عليه. وأهم الشروط هي الولاء المطلق لفرنسا وخدمتها والتثقف بلغتها، وحيازة الملكية، وحسن السيرة والسلوك في نظر الفرنسيين. وبناء على ذلك لم يتقدم أو بالأحرى لم يحصل على المواطنة الفرنسية إلا عدد ضئيل جدا بين ١٨٦٥ و ١٩١٤ (١). وإلى جانب الشروط القانونية، ومعارضة الكولون، هناك معارضة الرأي العام الجزائري للتجنس أيضا. فقد كان الرأي العام يسمى المتجنس (المطورني) أو المرتد عن دينه، وكان المتجنسون منبوذين في المجتمع المسلم، سيما وأن الذين تجنسوا كانوا من صف معين في الغالب، وهم أولئك الذين خدموا في الجيش الفرنسي، أو عملوا في مصالح الترجمة في الإدارة أو الجيش أو المحاكم، أو من الذين تخرجوا من مدارس الآباء البيض.
وبعد ضغط الرأي العام ضد التجنس وظهور حركة الأمير خالد التي بنت مطالبها على نيل الحقوق السياسية (المواطنة) دون التخلي عن الأحوال الشخصية الإسلامية، تراجع التجنس أيضا، وأصبح الذين يرغبون فيه يشترطون عدم مطالبتهم بالتخلي عن الشريعة أسوة باليهود الذين حصلوا على التجنس
(١) حسب إحصاء سنة ١٨٧٦ كان عدد المتجنسين سبعة عشر فردا فقط. وبين ١٨٦٥ - ١٨٧٤ بلغ عدد المتجنسين ٤٥٨ فردا. انظر (حكومة ألبير قريفي)، ص ٣٦، وكذلك (حكومة الجزائر العامة) في عهد الجنرال شانزي، الجزائر ١٨٧٧، ص ٩ - ١٤.