حسب التعبير العشبي. فالمسلمون لم يحسدوا اليهود على نعمتهم بل رثوا لحالهم، وتأكد لديهم (حرص اليهود على الدنيا) ولو على حساب دينهم (١). ويمكننا القول إن المسلمين قد ازدادوا قناعة، في ضوء ما وقع لليهود خلال عقدي الثمانيات والتسعينات مع الكولون، بأنهم كانوا على حق عندما رفضوا عرض نابليون التجنس بشروط، وازدادوا اعتزازا وتمسكا بدينهم الذي كان يمثل (هويتهم).
وسرعان ما بدأ التوتر بين الفرنسيين الأوروبيين واليهود الأهالي عند إجراء أول انتخابات في الجزائر. وظهرت (معاداة السامية) مكشوفة، كلما حدثت معركة انتخابية. ويقول جوليان إن (درومون) الذي ألف كتابا، بعنوان (فرنسا اليهودية) والذي نسب فيه كل المساوئ التي حدثت في فرنسا إلى أعمال اليهود، هو الذي فاز فوزا ساحقا بمدينة الجزائر في انتخابات سنة ١٨٩٧. وقد ظهرت معاداة السامية على أشدها عندما أصبح رئيس الحزب المعادي لليهود، وهو ماكس ريجس، رئيسا لبلدية الجزائر. كان ريجس لا يتجاوز الخامسة والعشرين من عمره عندئذ، ويقولون إنه كان من المتجنسين حديثا بالجنسية الفرنسية ومن أصل إيطالي. وفاز معه معاونه أيضا، على نفس البرنامج الذي يتلخص في ضرورة تركيع اليهود والقضاء عليهم. وكان هذا الحزب يطالب بإلغاء قرار كريميو، ودخل مع اليهود في معارك جرت في مدينة الجزائر وفي غيرها، وحاول جر المسلمين إلى هذه اللعبة ولكنه فشل ليقظتهم لعواقبها. وكادت (فرنسا الجزائرية) تدخل في حرب أهلية عمياء لولا السياسة التي اتبعها والدك روسو، رئيس الحكومة الفرنسية، والحاكم العام لافيريير. فقد ألغى هذا الحاكم الانتخابات البلدية واتبع سياسة الصرامة والتدخل الإداري. ولم تفشل الحركة المعادية للسامية، رغم أنها لم تنل مطلوبها، إذ بقيت إلى الحرب
(١) قارن ذلك بما نشره يحيى بوعزيز في مجلة (الثقافة) عن موقف المسلمين من تجنيس اليهود، وقد نشر وثيقتين لأعيان قسنطينة، إحداهما تنفي تأثرهم بالقرار والأخرى تثبت تأثرهم به، لأن القرار جعل اليهود هم فرنسا بحملهم السلاح، أي هم السلطة.