في الحرية والإنسانية والتسامح والأخوة عدد من أعيان الشرق، نذكر منهم جمال الدين الأفغاني وخيرالدين التونسي، ومدحت باشا، وربما الشيخ محمد عبده والشيخ رشيد رضا. وليس كل من دخلها عن حسن نية قبل أوائل هذا القرن كان متهما في دينه أو مدخولا في وطنيته، لأننا رأينا أن الماسونية قد غيرت جلدها عدة مرات، ورفعت عدة شعارات، وأصبحت تسير صراحة في ركاب الاستعمار والصهيونية، وتقف ضد الأديان وتخدم مصالح وأهدافا غير إنسانية وبعيدة عن شعاراتها البراقة المعلنة.
لذلك يمكننا القول إن اسم الأمير قد استعمل منذ حوالي ١٨٦٤ بطريقة مغلفة لتجنيد الأعضاء في الماسونية. فالغرب كان واعيا والشرق كان غافلا. وقد حصل الأمير على أوسمة وبراءات ورسائل الشكر من قادة الدول المسيحية على إثر تدخله الإسلامي والإنساني في حوادث الشام سنة ١٨٦٠، وقد فسروا ذلك التدخل على أنه كان بدافع التسامح الديني مما يتماشى مع شعارات الماسونية نفسها. فاغتنم قادة الماسونية فرصة عودة الأمير من الحج ومروره بمصر سنة ١٨٦٤ ودعوه إلى محفل الإسكندرية، كما قيل، وسلموا إليه براءة، وربما سلموه أيضا إثباتا بعضوية شرفية - من يدري؟ - في ذلك المحفل. ولكن هل كانت هذه العضوية كاملة بكل تبعاتها؟ أو هي مجرد تشريف واحتفاء وشكر له على فعله الإنساني؟ أو هي خدعة وقع الأمير في فخها، ثم انتبه فلم يعد للموضوع بقية حياته، إذ لا نجد أية إشارة إليه بعد ذلك؟ إن ذلك سيظل محل تساؤلات وتخمينات، ولا نملك له الجواب الشافي الآن.
ومن الملفت للنظر أن ابن الأمير في (تحفة الزائر) لم يشر إلى مسألة الماسونية، واكتفى بقوله إن والده قد مر في عودته من الحج بمصر وزار أرض بوبلح التي أهدتها إليه شركة السويس وأقام أياما في ضيافة الشركة بمنطقة السويس، أما الإسكندرية فقد قال إنه بقي فيها حوالي خمسة أيام ثم ركب منها إلى بيروت. وقد أورد ابن الأمير الرسائل والأشعار التي قيلت في