تشبع ابن نبي بالفكر الإصلاحي تشبع أيضا بالفكر القومي فآمن بالوحدة العربية وحارب الانشقاق، وكان يحضر جلسات في مقهى يستمع إلى الطلبة يلقون قصائدهم في تمجيد العرب. وتغلب على كتبه مسحة الأسلوب الأدبي والتحليل العلمي معا. ويقول ابن نبي عن نفسه إنه كان وطنيا، ولكنه لم يكن منتميا إلى هيئة أو حزب. وهكذا احتفظ باستقلاله الفكري وحرية النقد.
ولكن استقلاليته وحريته لم ترضيا كل الناس، وربما جلبتا له المتاعب. إن تمرده الظاهري على اللباس التقليدي (وهو في تبسة وقسنطينة) ومغامرة الأولى في فرنسا، وزواجه من فرنسية، وانضمامه إلى منتدى الوحدة المسيحية، واختلاطه بشباب من الفرنسيين واليهود، وأخذه من الأفكار دون تمييز، وقراءته الإنجيل وغيره منذ وقت مبكر، وعيشه في بيئة فرنسية، أحيانا في الريف وأحيانا بالمدن، وصداقته لأشخاص هويتهم غير معروفة مثل جو كلاري (محمد الشريف) الفرنسي الذي قيل إنه اعتنق الإسلام، واختيار ابن نبي العيش في فرنسا أيام تبدل الأيدي عليها (١٩٤٠ - ١٩٤٥)، كل ذلك يجعل دارسي ابن نبي يتوقفون ويتساءلون قبل أن يصدروا أحكامهم. وعندما حل ابن نبي بالقاهرة سنة ١٩٥٦ حصل على حق اللجوء والإقامة. وأخذ يتفاعل مع أنشطة المؤتمر الإسلامي الذي كان يشرف عليه عندئذ أنور السادات. كما أن مصلحة الاستعلامات المصرية كانت تنشر كتبه. وكان ابن نبي عندئذ يعيش في حالة رعب خاص إذ كان يتصور، وهو في منزله بالمعادي (ضاحية بالقاهرة) أنه (مراقب) ليلا ونهارا. من المخابرات الأجنبية، ولا ندري إن كان ذلك حقيقة أو كان مجرد وسواس. ولكن حسبنا من هذه الفترة الإشارة إلى استقلاليته حتى في الوقت الذي اندمج كل الجزائريين الوطنيين في بوقتة واحدة وهي (جبهة التحرير) لمواجهة الخطر الذي يتهدد وجود بلادهم.
ويعنينا هنا من كتبه تلك التي صدرت له قبل ١٩٥٤. وهي لبيك والظاهرة القرآنية وشروط النهضة. ويمكن أن نضيف رابعا، وهو في مهب