على معرفة الطب والوقاية من الأمراض، ويحث على العلاج وحفظ الصحة - صحة الأبدان -. أما من الناحية الاجتماعية فالممارسات للطب والعلاج لم تتوقف أو تضعف. وكانت على نوعين على الأقل، نوع (علمي) قائم على التجربة والملاحظة واستخدام الوسائل المادية بطريق عقلية، ولكن الجهل والتخلف والاستعمار منعت من تطوير الممارسات لكي تصبح علمية بمعنى الكلمة، اللهم إلا في فترة متأخرة. أما النوع الثاني من الممارسات فقد كان (خرافيا) قائما على السحر والشعوذة، وبعيدا كل البعد عن الدين والعلم، وقد أشرنا إلى ذلك.
في عهد الأمير عبد القادر وجدنا القيادة الوطنية كانت تهتم بالطب حسب الامكانات المتوفرة، ولم تكن تمارس الشعوذة ولا كانت ضد التداوي الخالي من الدعاية والتمويه. يقول محمد بن الأمير عبد القادر في (التحفة) إن والده قد أحدث ما كان معروفا عن ملوك المغرب، وهو إنشاء المستشفيات (البيمارستانات) لمرضى جنوده في مختلف المقاطعات. وقد عين الأمير في كل مستشفى (بيمارستان) أربعة أطباء، يرجع أمرهم إلى طبيبه الخاص، وهو أبو عبد الله (محمد) الزروالي. وقيل عن محمد الزروالي إنه كان ماهرا في علم الطب وكان مشهودا له بذلك. ولم يكن الزروالي بالطبع على نمط الأوربيين في علمه أو متخرخا من مدرستهم. فنحن لا نعلم حتى أين تمهر في هذه الصنعة، ولعله إنما وصل إلى ذلك عن طريق الوراثة والتجربة. يقول صاحب (التحفة) عنه إنه كان (عالما بخواص الأعشاب على اختلاف صنوفها، وكان يخرج الرصاص من داخل العضو المصاب بوضع عشب على مدخله فيخرج بعد بضع ساعات من موضعه بسهولة دون ألم)(١).
وقد أكد ذلك الفرنسيون الذين زاروا معسكرات الأمير. فكتب توستان دي منوار (سنة ١٨٤١) أن في جيش الأمير طبيبين بلقب باش جراج (كبير
(١) تحفة الزائر، ١/ ٢٠٣، ط ١. انظر ما قاله الدكتور بيرتيرات عن الموضوع سابقا. وقد نوه بما جاء في (وشاح الكتائب) من تعليمات حول الصحة والطب في عهد الأمير.