للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجراحين). وكان الجراحون عادة من المرابطين، حسب قوله، أي أنهم كانوا من العلماء ورجال الدين. ولكن دي منوار ذهب، لأسباب معروفة، إلى أن العرب يثقون في الأطباء الفرنسيين أكثر من الأطباء الأهالي. ونفهم من كلام دي منوار أن الجزائريين لم يكونوا أبدا ضد الطب المتقدم، كما كانت تدعى السلطات الفرنسية. وقد زاد منوار ذلك تأكيدا بقوله إن كلمة (طبيب) عندهم كلمة سحرية، وهي وسيلة للدخول إلى نفوسهم وإلى معرفة دواخلهم، ونصح بأن ممارسة الطب من قبل أناس (فرنسيين) متعلمين وغير مرتبطين بمصالح ولهم ضمائر حية، ستكون ربما إحدى الوسانل الأكثر نجاعة لتسريب الحضارة الفرنسية بين الجزائريين. وزعم أن الفرنسيين استطاعوا أن يخففوا من تأثير العديد من الأمراض عنهم (١).

ونفس هذه الملاحظات تقريبا أبداها أدريان بيربروجر الذي زار معسكر الأمير، على رأس وفد هام، سنة ١٨٣٧. فقد تحدث عن احترام العرب للأطباء وسحرية كلمة طبيب بينهم أيضا، وكذلك كلمة حكيم. وقد وصف كيف تجمهر حولهم الجنود عندما علموا أن طبيبا. كان ضمن الوفد، وأن كل من له شكوى من مرض تقدم من الطبيب الفرنسي المرافق، بما في ذلك بعض قادة الجيش (٢). ولكن بيربروجر لم يحدثنا - كما فعل زميله دي منوار - عن أطباء الأمير ولا كبير أطبائه محمد الزروالي. ومهما كان الأمر فإن الشهادتين تثبتان أن الجزائريين لم يكونوا مقاطعين للأطباء الفرنسيين. وربما كانت المقاطعة مقتصرة على العامة الذين كانوا يخشون على أنفسهم من المزج بين الدين والطب، أو لأسباب لغوية وحواجز حضارية أخرى.

وهناك ممارسات تبدو في غاية العقلنة، رغم التقاليد، كان يمارسها الخبراء في كل قبيلة وقرية. وهي ممارسات قائمة على الطب الشعبي. وهو


(١) توستان دي منوار، مذكرات، نشرها مارسال ايمريت (المجلة الإفريقية)، ١٩٥٥، عدد ٤٤٢، ص ١٤١ - ١٤٦.
(٢) زيارة إلى معسكر الأمير في ونوغة، سنة ١٨٣٧ - ١٨٣٨، باريس؛ وقد ترجمنا هذا العمل إلى العربية.

<<  <  ج: ص:  >  >>