للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعشية حصوله على الدكتوراه في الطب زار ابن العربي موطن أجداده، الأندلس، فتوجه إلى قرطبة وأشبيلية وغرناطة. وكحل عينيه بأطلالها وشنف سمعه بأخبارها، واسترجع الذكريات. وقال عن نفسه إنه ما حل بمكان إلا توقف عنده للعبرة والتذكر، وعبر عن ذلك بقوله إنه جدد إسلامه في الأندلس بعد أن وجد الإسلام في الجزائر وقد اعتراه التحول على يد الفرنسيين. ولا ندري إن كان قد تجول في غير فرنسا والأندلس (أسبانيا). والغالب أنه فعل، فلعله زار بلدانا أخرى في أوروبا والشرق وربما يكون قد أدى فريضة الحج.

ومنذ ١٨٨٨، وهي فترة حكم لويس تيرمان في الجزائر، فترة التجهيل الرسمي وقانون الأهالي البغيض، أصبح ابن العربي يجمع بين العمل كطبيب والعمل في بلدية العاصمة نائبا عن قومه. مارس الطب أولا في أماكن مختلفة تحت نظر الإدارة الفرنسية ثم استقر به الحال في العاصمة. وتقول بعض المصادر إن الأهالي هم الذين ألحوا على الحكومة في ذلك (١)، ونحن نستبعد أن تستجيب لهم في مثل هذا الإلحاح، وإنما سمحت له لظروف أخرى لا نعرفها الآن. وقد حل ابن العربي بالعاصمة وأصبح يمارس فيها الطب والسياسة، وكان المفتي أحمد بوقندورة الذي قيل إنه حث الناس على مؤازرة رجوع ابن العربي إلى العاصمة، كان من المقربين جدار للسلطات الفرنسية (٢)، وقد بقي في الفتوى فترة طويلة. وربما كانت بينه وبين ابن العربي مصاهرة.

وأثناء أداء ابن العربي واجب النيابة في بلدية الجزائر، وهو وظيف كان بالتعيين الإداري وليس بالانتخاب، سجلت له بعض المواقف المأثورة. فقد وقف ضد هدم الجامعين الكبيرين الباقيين في العاصمة، الجامع الأعظم والجامع الجديد، وكان الفرنسيون يخططون لإزالتهما وبناء فندقين في مكانهما (تجميلا) للعاصمة. وقد سبق لهم هدم عشرات المساجد منذ


(١) ابن العابد (تقويم الأخلاق)، ص ٥٩.
(٢) انظر عنه فصل السلك الديني والقضائي.

<<  <  ج: ص:  >  >>