والعمران فإنه ينظر إلى الأساليب الحاضرة وشروط المعرفة والموضوعية والتعليل. وستعرف في فقرة أخرى رأي أبي يعلى الزواوي ومحمد مبارك الميلي وأحمد توفيق المدني في التاريخ.
والمفهوم السياسي للتاريخ ظهر ربما لأول مرة، على يد حركة الأمير خالد وما تلاها. فقد استشهد خالد في خطبه وعرائضه بتاريخ جده وبكفاح الجزائريين خلال القرن التاسع عشر. وكان ذلك منبها للغافلين، فانتشرت فكرة الربط بين التاريخ والوطنية ولم تتوقف الفكرة عند الكفاح المذكور بل رجعت إلى الماضي البعيد. وكان الجزائريون في الخارج قد درسوا التاريخ المتعلق بالشعوب الأخرى ودرسوا كذلك تاريخ الإسلام وما قام به الأولون، ورجعوا إلى بلادهم بأفكار واضحة عن الاطلاع والكشف والمنافسة للشعوب الأخرى. وقصد من هؤلاء ابن باديس والزريبي والإبراهيمي والعقبي وأبا يعلي الزواوي. وكان الزواوي - وكذلك سعيد بوليفة - قد ألف عملا في التاريخ يفيض (بالوطنية) ولكنه خاص بالزواوة. وخلال العشرينات أيضا نشر أحمد توفيق المدني في (تقويم المنصور) فصولا في التاريخ واهتم بالتاريخ السياسي. وكانت تونس سباقة إلى ربط الحاضر بالماضي. وقد تأثر الجزائريون الذين درسوا فيها منذ بداية القرن بالتاريخ المشترك وبالمفهوم السياسي الذي نتحدث عنه.
ورغم أن التنظيمات السياسية (الأحزاب) كانت أولى بالاهتمام بالتاريخ واستثماره للحاضر، فإنها كانت في أول أمرها، بعيد عن ذلك، إما لجهل أصحابها بالتاريخ الإسلامي وتاريخ الجزائر بالذات، وإما لابتعادها منذ البداية عن التراث والأصالة وتعلقها بالفكر الاقتصادي الماركسي والصراع الطبقي الذي يؤدي عندهم إلى انتزاع السلطة من يد أرباب العمل ويضعها في يد العمال. وكانت الأناشيد السياسية تشير إلى وقائع تاريخية معينة وإلى أسماء شهيرة مثل يوغرطة وماسينيسا وعقبة بن نافع، ولكن الزعماء السياسيين لم يكونوا يهتمون أو لم يكونوا يعرفون الضروري عن الكتابة التاريخية ولو من أجل توظيفها في البرامج السياسية لأحزابهم.