للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمام طغيان المدرسة الفرنسية التي جردت الجزائريين من الاتصال بماضيهم كثر الحديث عن أن الجزائر لم تكن شيئا مذكورا قبل الاحتلال الفرنسي. كانت المدرسة الفرنسية تدعي أن الجزائر كانت ممرا للمحتلين الذين يتداولون عليها، الغالب بعد الغالب، وأنها لم تكن دولة في يوم من الأيام، وأن فرنسا هي التي (صنعتها) وألحقتها بها، فهي ابنتها عند البعض، وهي فرنسا الصغيرة عند آخرين. وكانت تدعى أيضا أن الفرنسيين هم الذين حققوا الأمن والرخاء، ونظموا البلاد وجعلوا الجزائر جنة فوق الأرض. كما أشاعت أن سكان الجزائر لا يمثلون شعبا له ماض عريق، ولكن مجموعة من (المتساكنين) الذين لولا فرنسا لأكلوا بعضهم البعض. إن هذه الادعاءات نجد أصداءها في كتابات عديدة صدرت عن بعض الجزائريين الذين انقطعوا عن ماضيهم، نذكر منهم أبا بكر بوطالب صاحب (نزهة الأفكار) وفرحات عباس في كتاباته قبل ١٩٤٣. ولكن يجب ألا نعمم هنا، ذلك أن بعض الأفراد من المتعلمين في المدارس الفرنسية كانوا على صلة بالحضارة العربية الإسلامية، وكانوا يرفضون الأطروحة الفرنسية المذكورة، ونحن نجد ذلك في كتابات حسن بريهمات وابنه أحمد، وكتابات بعض النواب مثل عريضة ١٨٩١ التي تقدم بها أعيان من نواحي قسنطينة (١).

ومهما كان الأمر فإن هذه الروح هي التي دفعت بأعيان الإصلاح إلى (إصلاح التاريخ) إلى جانب إصلاح العقيدة والمجتمع. وعلى رأس هؤلاء الشيخ مبارك الميلي. فقد حكى أنه لم يكن قد درس التاريخ صغيرا ولا كبيرا، ولكنه كان مهتما بتراجم الماضين وتاريخ صدر الإسلام والتاريخ الحديث، فقرأ واستوعب، ورأى كيف زيف الفرنسيون تاريخ بلاده وأثروا بذلك على عقول فئة من الجزائريين كان يعرفها ويختلط بها، وكانت هذه الفئة تنكر أن للجزائر تاريخا جديرا بالدراسة والإطلاع، فعزم على كتابة تاريخ لوطنه يسد به الفراغ في انتظار ظهور مؤرخين أكفاء. ومن يقرأ


(١) انظر فقرة العرائض من الحركة الوطنية، ج ١.

<<  <  ج: ص:  >  >>