للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مقدمات كتابه (تاريخ الجزائر في القديم والحديث) سيجده مركزأ كثيرا على ذلك الدافع. ونعني به الجهل بالتاريخ الوطني مضافا إليه التنكر له أيضا والقدح فيه. وسنتناول كتابه في حينه. وفي اعتقادنا أن الميلي كتب تاريخا هو في الواقع درس في السياسة والوطنية وجزء من مهمته كمرشد وواعظ ومدرس في مدرسة الإصلاح. ويبدو لنا أن الذين تلقوا عليه الدروس العامة كانوا أيضا يتلقون عليه دروس الوطنية لأن أفكاره في دروسه هي أفكاره في كتابه. ودعك ممن قال عن هذا النوع من الكتابات إنها (دعاية) وعمل سياسي، بينما سكت هذا القائل عن كتابات ايميل غوتييه (العهود المظلمة في بلاد المغرب)، وربما اعتبرها في منتهى الموضوعية (١).

إن الاعتماد على المراجع ونقد الأعمال المتقدمة وذكر محتوى الكتاب وغير ذلك من تقنيات البحث لم تكن جديدة على مؤرخي الجزائر. وكان الذين تناولوا التاريخ خلال القرن التاسع عشر قد عمدوا إلى ذلك بصفة عامة، ما عدا ربما نقد الماضين. كما أن مؤرخي هذه الحقبة كانوا يبدأون من التواريخ الغابرة، وأحيانا من سيرة الأنبياء والأمم المتمدنة. ومثال ذلك الكتاب المنسوب إلى الأمير عبد القادر والذي حرره أثناء سجنه بفرنسا. ولكن (اللمحة) التاريخية التي كتبها حمدان خوجة سنة ١٨٣٣ لم يرجع فيها إلا إلى تواريخ العهد العثماني وميزاته.

وتقنيات البحث الأوروبي ظهرت في أعمال الذين اتصلوا بالمستشرقين وتعلموا منهم. ونخص بالذكر ابن أبي شنب وبوليفة ومن جاء بعدهما. الأول ظهر عليه ذلك في دراساته وتحقيقاته. ومن ذلك رحلة الورتلاني، والبستان لابن مريم، فقد استعمل فيهما تقنيات البحث من فهرسة ومقابلة والرجوع إلى النسخ الأخرى. ولكن كتاب التراجم الذي أصدره أبو القاسم الحفناوي في بداية هذا القرن لم يظهر عليه التأثر بالأوروبيين رغم اختلاط


(١) نشير بذلك إلى ما كتبه جوزيف ديبارمي على إثر صدور كتاب الميلي وكتاب المدني. وقد سار سعد الدين بن شنب على منوال ديبارمي أيضا، كما سنرى.

<<  <  ج: ص:  >  >>