المؤلف بهم والعمل معهم سنوات طويلة، كما شهد على ذلك بنفسه حين قال إنه ظل في رفقة آرنو قرابة أربعين سنة. أما بوليفة فقد ظهر عليه التأثر بالأوروبيين في كتابه (جرجرة عبر التاريخ) واستفاد من تجاربهم في البحث واستخدام المصادر والنقد وما إلى ذلك. ولكن معاصره أبا يعلي الزواوي لم يفعل مثله في كتابه (تاريخ الزواوة)، فقد ظل فيه على الطريقة القديمة رغم أنه رجع إلى المراجع العديدة وانتقد بعضها.
فقد كان أبو يعلي الزواوي من الذين ربطوا التاريخ بالوعي القومي وبالجنس (العرق) ونهضة الشعوب، وقد يكون الزواوي رائدا في ذلك. فمشروع كتابه عن الزواوة كتبه سنة ١٩١٢، وظل كما قال عشر سنوات يعمل على استيعاب معنى التاريخ وعلاقته باليقظة والماضي والأمجاد. فرأى أن الفرنسيين والإنكليز لم يتقدموا إلا بعد دراسة التاريخ الوطني. ورأى أن الشعوب المناهضة هي التي فهمت تاريخها ودرسته وحافظت عليه. فعزم على كتابة كتاب يكون رائدا أيضا في هذه الفكرة. ونحن نجده يقول بذلك عن نفسه.
وقد عاب أبو يعلي من لا يدرس التاريخ ويتعظ به ويعمل بما جاء فيه، ومن ينظر إلى التاريخ على أنه أخبار وحكايات أو شكك في فائدته. فقال: إن قوما ظنوه خبرا يروى (تخشى آفته). وقال آخرون، فيما روي، إن التاريخ هو (أسطورة الأباطيل) يجب الابتعاد عنه والعقيدة فيه. بينما هناك من يذهب إلى أن التاريخ هو خير العبر لأنه هو (ديوان المبتدأ والخبر). وهذا هو رأي أبي يعلى الذي يبدو أنه استعاره من تاريخ ابن خلدون، أو من عنوان كتابه على الأقل. وأكد أبو يعلي أن (القرآن نفسه تاريخ وعبر). ثم أخذ يعرف التاريخ تعاريف عامة وعاطفية، مثل إنه (حياة الأمم الذي يحملها على المطالبة بمجد الغابرين ... (ولعل في ذلك ردا على الفرنسيين الذين طمسوا تاريخ الجزائر، ومنه تاريخ الزواوة). ويخبرنا أبو يعلي أن الفرنج (ولم يقل الفرنسيين) قد عرفوا التاريخ وفضله فدونوه، ووضعوا له الأسس والأصول. ومن الدول التي أحياها التاريخ بعد الحرب العالمية الأولى دولة بولونيا