للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(بولندا) وغيرها، في نظره. وعاب على قومه وعلماء المسلمين عامة إهمالهم للتاريخ حتى أنهم إذا جادلوا علماء أوروبا في التاريخ عجزوا. ومن المهم جدا هنا اان كتاب الزواوي - خلافا للمشروع الذي سبقه - قد تحدث عن نتائج الحرب العالمية الأولى في العالم العربي. ولكي يقنع قومه بالتحولات التي طرأت على العالم الإسلامي قال إن هذا العالم قد مر من الجاهلية والوثنية إلى الفتوحات، وغيرها - ولعله يريد أن يصل إلى الاحتلال وكونه مرحلة فقط في هذا التطور التاريخي -.

وقد أعلن الزواوي أن الهدف من كتابه هو تنوير الجيل الجديد حتى يكون على بصيرة بمسيرة سلفه، وليتعلموا ما فعل الآباء والأجداد، ويقتدوا بالأمجاد. وأشار إلى أن الجيل الذي خاطبه قد يأخذ ببعض القديم وبعض الجديد. وكان همه الرئيسي أن (أنفخ فيهم روحا قوية، وأبعث منهم ذوي همم علية، وأهدي إليهم هذا الكتاب المستطاب ...) (١). وهكذا يتضح أن أبا يعلي قد تحول خلال عشر سنوات من التاريخ العرقي (بالنظر إلى فكرة الآرية وطهارة الدم) إلى التاريخ الجهوي، ومن هذا إلى مبدإ التاريخ العام، أو من الطائفة إلى الأمة، وكم للإنسان من تقلبات وأحوال!.

والميلي الذي أهمه التاريخ كثيرا عندما رأى قومه وقد أهملوه ورأى الغربيين وقد اتقنوه بدراسة الآثار والاقتصاد ونحوه، قد عرف التاريخ بأنه وسيلة لمعرفة (سنة الكون وطبيعة العمران) وسير الأبطال والأنبياء والأولياء والسياسيين. ثم أكد على ذلك بقوله إن (التاريخ مرآة الغابر ومرقاة الحاضر ... ودليل وجود الأمم، وديوان عزها، ومبعث شعورها، وسبيل اتحادها وسلم رقيها) يدرسه الشباب فلا تبتلع قومية أخرى قوميتهم، وأدركوا ما لآبائهم من الأمجاد والشرف) (٢).

ومن جهته عرف المدني التاريخ بأنه (عرض وتحليل وتعليل وحكم).


(١) أبو يعلى الزواوي (تاريخ الزواوة)، الديباجة. دمشق ١٩٢٤.
(٢) مقدمة الجزء الأول، ط ١، ١٩٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>