للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال عن المؤرخ بأنه (حاكم نزيه حر الضمير، يدرس الوثائق والمستندات، ويستخرج الحقائق من بين النصوص، ويستمع بإمعان إلى ما يقوله هؤلاء وما يقوله هؤلاء، فإذا أسفر أمامه وجه الحق ناصعا، أصدر حكمه عادلا، لا عاطفة ولا رياء ولا محاباة) (١).

وهكذا يظهر أن التغيير الهام في مفهوم التاريخ وتقنياته قد ظهر مع نهاية الحرب العالمية الأولى، وكان ذلك مرتبطا بظهور الحركة الاصلاحية من جهة والحركة الوطنية (المطالب السياسية) من جهة أخرى. فكانت جهود ابن باديس في الأولى وجهود الأمير خالد في الثانية هي التي نبهت إلى ميلاد المفهوم الجديد للتاريخ. ومن نتاج ذلك العهد: تاريخ الميلي وتاريخ المدني ومن جاء بعدهما. والجدير بالذكر أن ذلك التغيير كان مرتبطا أيضا بالظاهرة التاريخية في المغرب العربي عامة. فالمدني مثلا كان نتاج حركة التاريخ في تونس، وهي أكثر تطورا مما هي عليه في الجزائر، منذ ابن أبي الضياف وخير الدين التونسي ومدرسة الشبان التونسيين. وكان التاريخ الإسلامي والعربي والسيرة النبوية والفتوحات تدرس في كل من القرويين والزيتونة. وكان لقاء الطلبة المغاربة دوريا في فرنسا وعواصم المغرب العربي خلال الثلاثينات قد عمق فكرة التاريخ المشترك، بالإضافة إلى الاهتمام بتاريخ كل قطر. ومن يرجع إلى محاضر تلك اللقاءات سيجد أن الاهتمام بالتاريخ في المدارس وضرورة تدريس التاريخ الإسلامي والعربي كان من بين مطالب المجتمعين (٢).

وقد ارتبط أيضا الاهتمام بالتاريخ القديم للمنطقة بالمستقبل السياسي لها. ففي نادي جمعية الطلبة المسلمين الشمال إفريقيين بفرنسا، ألقى السيد شريف ساحلي محاضرة بعنوان (مقاومة الوطنيين بالشمال الإفريقي للاستعمار


(١) راجعنا كتابه (حرب الثلاثمائة سنة بين الجزائر وأسبانيا)، في أبحاث وآراء، ج ١/ ٣٤٧، ط. ٣.
(٢) انظر الحركة الوطنية، ج ٣. وكذلك رسالة الباحث محمد بلقاسم عن (الاتحاد الوحدوي في المغرب العربي)، معهد التاريخ، الجزائر.

<<  <  ج: ص:  >  >>