للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خوجة في نهاية (المرآة) أنه سيؤلف جزءا آخر، ولكننا لا نعرف إن حقق ذلك. ولعل خيبة أمله في لجنة التحقيق واستحالة عودته إلى بلاده في تلك الظروف قد ثبطت من عزيمته وجعلته يهتم بمصيره فلجأ، كما قلنا، إلى اسطانبول.

لم يكن حمدان خوجة مؤرخا حين أقدم على تأليف المرآة. وقد عرفنا لماذا وكيف ألفه. كان خوجة عندئذ رجلا سياسيا برز في وقت الأزمة ليمثل أهل بلاده لدى الرأي العام الفرنسي ورجال الحكومة الفرنسية. ولكنه اضطر إلى الرجوع للحوادث التاريخية، فتناول ذلك في الكتاب الأول. ورغم ما في هذا القسم من معلومات وإحصاءات وحوادث، فإنه عندئذ كان نوعا من الانطباع عن الحكم العثماني في الجزائر. ولكن خوجة لم يتبع في ذلك الطريقة الإسلامية مثل الاعتماد على السنوات وذكر الدول والعهود، بل إنه كان ينتقي موضوعاته التي كانت تبدو اجتماعية واقتصادية وإدارية، أكثر منها سياسية. ويكاد رأيه في العهد العثماني أن يكون سلبيا، وهو رأي معظم الجزائريين عندئذ، ولكن بالمقارنة إلى ما ارتكبه الفرنسيون خلال ثلاث سنوات فإن حمدان خوجة ظهر مفضلا للحكم العثماني، حين قال قولته الشهيرة: (اللهم ظلم الترك ولا عدل الفرنصيص!).

أما الكتاب الثاني من المرآة، فهو نوع من المذكرات أو اليوميات. فهو يصف فيه الصراع بين إدارة الاحتلال المتغطرسة وبين الأهالي، ولا سيما في مدينة الجزائر. وخوجة لا يتحدث عندئذ عن مقاومة الأمير في غرب البلاد، لأن مبايعة الأمير لم تقع إلا في آخر نوفمبر ١٨٣٢، ولم تكن بعد قد عمت البلاد. أما قسنطينة فكانت ما تزال في حكم الحاج أحمد. ولذلك كان اهتمام خوجة بإقليم الوسط وإقليم وهران (عشية ظهور الأمير).

ورغم ذلك فإن كتاب المرآة يعتبر اليوم مصدرا أساسيا لتاريخ الجزائر في أول الاحتلال. وهو حسب علمنا أول وثيقة سياسية وتاريخية كتبها أحد الجزائريين وقدم فيها أحكامه عن النظام العثماني من جهة والاحتلال الفرنسي

<<  <  ج: ص:  >  >>