الشهادة (١). وأحرز أيضا على تقدير أساتذته ومدير المدرسة. ثم رجع إلى الجزائر ليتولى التدريس في مدرسة ترشيح المعلمين التي تأسست حديثا. ولا تخبرنا المبشر عن نشاط ابن سديرة خارج مدرسة فرساي. فلا نعرف عن زياراته لباريس ولا قراءاته ولا اهتماماته وأصدقائه. ولكن يمكننا أن نلجأ إلى التصور في ذلك. فقد كان شابا في أول العقد الثالث من عمره. ولنا أن نتصور أنه كان مهتما بالآداب والفنون وبالصحافة والمجتمع. وقد خزن في ذاكرته الكثير من ذلك ثم رجع إلى بلاده. إن كتبه المطبوعة تدل على أنه رجل كرس نفسه لخدمة اللغة الفرنسية وتطويع اللهجة العربية الدارجة والزواوية لخدمتها أيضا. ويدل ذوقه في (كتاب الرسائل) على اهتمامه بالخطوط وفن الترسل سواء كان بالدارجة أو الفصحى. ولكن مؤلفاته لا تعكس نشاطه السياسي ولا رؤيته الثقافية ولا أحكامه على الاستعمار. ورغم وجود صحيفة المبشر والمنتخب وغيرهما قبل وفاته فإننا لا نعلم أنه كتب فيهما رأيا. أو تعليقا. وكذلك لا نعرف أنه تراسل مع شخصيات عربية وإسلامية خارج الجزائر سواء عندما كان في فرنسا أو عندما استقر في العاصمة، رغم أن آخر القرن الماضي - فترة نضجه - كان يشهد حركة فكرية وسياسية واسعة في العالم الإسلامي.
ومنذ رجع إلى الجزائر عين ابن سديرة في مدرسة ترشيح المعلمين (النورمال)، وهي المدرسة التي تطورت أيضا منذ الثمانينات وأصبح لها فرع أهلي موجه إلى تدريب الجزائريين على التعليم. وهو فرع يدل على التمييز العنصري والثقافي لأن أساتذته وطلابه كانوا من طينة ومقاييس خاصة. وفي السنة التي أنهى ابن سديرة فيها دراسته (١٨٦٥) زار نابليون الجزائر للمرة الثانية، ولما رجع منها أصدر قانونه الشهير - قانون التجنس للجزائريين الراغبين في الجنسية الفرنسية بشرط التخلى عن أحوالهم