والجباري كان أديبا بطبعه، محبا للغة العربية، ينظم الشعر ويهوى التمثيل، ويعرف خبايا الناس في الوسط الديني الذي درس فيه والوسط الإداري الذي ارتبط به عمله غير المجدى، كما يقول ديلفان. كان الجباري حريصا على تأليف مقامات يحفظ بها اللغة العربية من الضياع، ولعله أحس بغريزته أن هذه اللغة كانت تتدهور وتتلاشى فكتب مقاماته مستوحيا الحريري والهمذاني، ثم قدم ذلك ديلفان تاريخا وأسلوبا ولغة وموضوعا. قال إن المؤلف (الجباري) قد عاش في وهران وسعيدة ومعسكر والدليمة التي سماها الفرنسيون سان لوسيان، وكان أصله من بطيوة (أرزيو). وما دام الجباري قد تنقل بين أماكن عديدة فمن الصعب، في نظر ديلفان، أن تكون المقامات بلهجة واحدة، فلا بد أن يكون قد تنقل من جامع إلى آخر، على عادة الطلبة القدماء، بحثا عن العلماء والمخطوطات والأوقاف.
اعتمد الجباري في كتابة مجالسه التسعة عشر على الذاكرة، فكان محفوظه غزيرا. وكان يروي المغامرات المسلية، ويتداخل فيها. فمقاماته نوع من السيرة الذاتية له أيضا. لقد كتبها بأسلوب هزلي مفصل. واختار لها الكلمات المناسبة في الوقت الذي لا وجود فيه للمسرح عند الجزائريين. وقال ديلفان إن الجباري كان يقترب كثيرا من الفصحى ويستعير منها، وحذر من أن يظن المستعربون الفرنسيون أن في ذلك تعديا على اللغة الفصحى. وكان الجباري حريصا على اللغة والتراث، ولذلك كان يورد أيضا أبياتا شعرية على طريقة المقامات، لتمليح النص. وكان أحيانا يذكر شعرا ملحونا أو زجلا. وقد كان هو نفسه شاعرا (١).
أخبر ديلفان أنه عندما كان يقيم في وهران وصل إلى يده مجلس من مجالس الجباري أو مقاماته. فنظر إلى أهمية ما جاء فيه من حيث لهجة المنطقة - وكان المستشرقون مهتمين بذلك - فبدأ مساعيه للحصول على كل
(١) كتب الجباري شعرا تمثيليا وطبعه في وهران. انظر فصل الشعر.