والمرابطين لإعلان موقفهم من حادثة من الحوادث أو التصريح بولائهم للسلطات الفرنسية، ونصح المواطنين بالبقاء في هدوء وولاء لفرنسا. لم يكن هؤلاء العلماء والمرابطون يتخذون مواقف جهادية أو نحوها، وإنما كانوا يلبون دعوة السلطات نفسها عندما طلبت منهم البرهنة على ولائهم وأن يدعوا أتباعهم وأنصارهم ليفعلوا مثلهم. وعلى هذا الأساس، قام بعض الموظفين الرسميين من رجال الدين أمثال المولود بن الموهوب وعبد الكريم باش تارزي، وبعض رجال التصوف وشيوخ الطرق أمثال شيخ زاوية الهامل وشيخ زاوية طولقة الرحمانيتين، وكذلك شيوخ الزوايا التجانية والقادرية والشاذلية والدرقاوية والطيبية، بإسداء النصائح إلى الأهالي سنة ١٩١٤. ولقد تحدثنا عن ذلك في غير هذا المكان، والذي يهمنا الآن هو فقط أسلوب الكتابة.
حقيقة، أن اللغة التي كتبت بها النصائح (الوصايا) هي العربية الأدبية، وأن الذين حرروها يعتبرون من عدة وجوه ممثلين لبقايا اللغة العربية في البلاد. وكانوا من أبرز المثقفين بها ومن حماتها أيضا. ولكن هناك ما هو خارج عن طاقتهم. فتكوينهم ليس واحدا ومواهبهم على درجات متفاوتة وكذلك أقلامهم. وعند المطالعة المتأنية للنصائح يكاد المرء يجزم أن ممليها واحد. وهذا يدلنا على أن إدارة الشؤون الأهلية هي التي ربما حررت لهم نموذجا لا يخرجون عنه إلا قليلا وفي التفاصيل. فهناك تحفظ في التعابير عند الجميع واقتصاد في الألفاظ ومراعاة للمجاملات السياسية. ومع ذلك فإن الوصية (النصيحة) الصادرة عن المفتي ابن الموهوب وجماعة من أعيان قسنطينة، يمكن اتخاذها نموذجا من هذا الأدب:
(يا مسلمين! لا يخفى عليكم أن أغراض أمبراطور الألمان القبيحة وسياسته العوجاء صيرت هذا العام، أنحس الأعوام، وأيامه أقبح الأيام. لم يخش هذا الأمبراطور رب الأرباب، الذي أهلك ويهلك من هو أقوى منه لأنه بيده الرقاب. لم يعجب هذا الأمبراطور طريق السلم المحبوب الذي كان قبل الحرب دعي إليه خصوصا من الدولة الفرنسوية، ولم يكن في قلب هذا الأمبراطور ولو قطرة من الرحمة، ولو كان ذلك فيه لأشفق على بني الإنسان