للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والإنسانية. لم يتصور هذا الأمبراطور، لتحيره قبل الحرب، ما ينشأ عن الحرب من المصائب وقتل البراء وسيل أودية من الدم وكثرة الخراب ...) وقد جاء في نهاية الوصية هذا الدعاء الملفت للنظر، وهو: (اللهم أعز فرنسا التي هي أمنا ونحن أبناؤها، إنك على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير) (١).

أما من شيوخ الزوايا فهناك (وصية) الشيخ الذي قيل إنه مفتي المذهبين المالكي والحنفي بالجزائر العاصمة. ولا ندري الآن من هو، لأن الوثيقة لم تذكر اسمه. وبلغت الوثيقة ثلاث صفحات، وأسلوبها مشابه لما قبلها، ولكنه أكثر استعمالا للعبارات الأدبية. ومما جاء في أولها: (أما بعد، فإن شيطان الألمان، بما له من الزور والبهتان، قد وسوس الدولة العثمانية واستهواها، وأضلها وأغواها، وأصمها وأعماها، وخدعها بمكايده، وأوقعها في حبائله ومصايده، حتى مكرت مكرا كبارا. وأعلنت الحرب جهارا، على الدول العظام، فرنسا وروسيا وانكلترا، وبهذا الغرور قد جاءت شيئا فريا، وأضرت نفسها، وأهلكت جنسها، حيث لم تتأمل في المآل بل أسرعت، وعليه فلا تحصد إلا ما زرعت، وخصوصا إذ خالفت قوله تعالى: {وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا ...} (٢). وبالطبع فإن عبارة (في سبيل الله) قد استعملت في غير محلها.

وقد استمر رجال الدين الرسميين والزوايا على عهدهم بإعلان الولاء لفرنسا بالأسلوب السابق. ففي ١٩٣٩ عشية الحرب العالمية الثانية بادر مؤتمرهم الذي عقد في أبريل إلى إعلان ثقتهم في فرنسا أيضا، بنصائح ونداءات أخرى مشابهة.

وأدب التعازي أيضا برع في نثره بعض الكتاب، رغم أن المراثي


(١) مجلة العالم الإسلامي، المجلد ٢٩، ديسمبر، ١٩١٤، ص ٤. الوصية فيها ثلاث صفحات، وخمسة عشر توقيعا، منها توقيع المفتيين المذكوريين ومحمد المصطفى بن باديس (والد الشيخ عبد الحميد) وبعض أفراد من عائلة الفكون، ومقدم الطريقة الشاذلية، إلخ.
(٢) مجلة العالم الإسلامي، المجلد ٢٩، ديسمبر، ١٩١٤، ص ١.

<<  <  ج: ص:  >  >>