للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ميدانها الشعر. ولدينا أمثلة من أدب التعازي من عهد الأمير إلى عهد الإبراهيمي. فعند وفاة الأمير أرسل محمد المبارك رسالة تعزية إلى محمد بن الأمير يعتبر أسلوبها من أجمل الأساليب الأدبية في وقتها، وقد جعل عنوانها (لوعة الضمائر ودمعة النواظر في رثاء الأمير عبد القادر). وقد تخللها الشعر أحيانا، من نظمه ومن حفظه، وختمها بقصيدة أشرنا إليها في فصل الشعر (١). بدأ محمد المبارك رسالة التعزية هكذا: (سبحان من تفرد بالبقاء، وكتب على ما سواه الفناء، وأنزل على إمام أهل العرفان، قوله تعالى: {كل من عليها فان} ... وبعد، فلما قضى القادر وحكم، بوفاة عبده السيد العلم، مولانا الأمير، والقطب الشهير، واسطة عقد السيادة، وعين ينبوع السعادة، سيدنا عبد القادر ابن سيدنا محيي الدين، عزيت بفقده شعائر الإسلام والدين، ولبس المجد ثياب الحداد، وصالت الخطوب بأسنة ألسنة حداد) (٢).

وفي سنة ١٨٦٨ توفي أحد أعوان الأمير البارزين في الجزائر أيام حرب المقاومة، وهو الشيخ محمد بن الحاج حمود (٣). فكتب الشيخ حسن بن بريهمات مقالة في التعزية فيه. وهي مقالة طويلة حلاها بالسجع ونمقها بالشعر، ونشرها في جريدة المبشر الرسمية، وهي تدل على قوة عارضة ابن بريهمات في الأدب أيضا، وقد كان بالمهنة فقيها ومديرا لمدرسة الجزائر الرسمية. وظهر عليه التأثر لفقد الشيخ حمو، لأنه عاصره ودرس على نفس المشائخ الذين درس عليهم. كما ظهرت عليه حالة التأثر من وضع الجزائر السياسي والاجتماعي، أي أثناء الجوائح التي أصابت البلاد عندئذ (١٨٦٨ - ١٨٦٧) فأكثر بريهمات من ذكر الفناء والموت في مقالته. وقد جاء فيها (نحمدك اللهم، يا من تقررت ذاتك العلية بالبقاء، واتصفت بالنزاهة


(١) تحدثنا عن الرثاء في فصل الشعر، وعن حفلات التأبين في باب الخطب من هذا الفصل.
(٢) محمد بن الأمير (تحفة الزائر)، ط. ١، ٢/ ٢٦٤ - ٢٦٩.
(٣) تحدثنا عنه في فصل السلك الديني والقضائي. انظر أيضا ترجمة حسن بن بريهمات في نفس الفصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>