ويزدهر الشعر عادة بازدهار التعليم ووسائل النشر والحوافز والنقد. غير أن هذه جميعا كانت منعدمة تقريبا قبل ١٩٢٠. وإذا استثنينا بعض الصحف التي ظهرت أوائل هذا القرن فإن الشعراء لم يجدوا أين ينشرون قصائدهم ودواوينهم (١). ولم تكن حركة التعليم نشطة حتى تخرج شعراء متمرسين باللغة العربية ومطلعين على التراث ومسايرين لروح العصر. وليس هناك حوافز معنوية أو مادية تجعل الشعراء ينطلقون في تجربتهم ومتنافسين في فنهم. أما النقد فلم تعرفه الحركة الأدبية إلا خلال الثلاثينات عندما أخذت الشهاب تعلق على ما كان ينشر فيها، ثم ظهرت البصائر، وكان النقد عندئذ ما يزال اختراعا جديدا. ولا يعني ذلك أن من قال شعرا لا يتعرض للذم أو الاستحسان ولكننا هنا نشير إلى النقد كقواعد و (علم) بذاته لتقييم الشعر.
وقد يكون من التناقض أن نوقع شعراء يظهرون في بلاد سيطرت عليها الأمية طيلة سبعين سنة تقريبا وتحت احتلال عنصري بغيض. فمنذ وضع الفرنسيون لديهم على الأوقاف الإسلامية وانهمكوا في هدم المدارس والمساجد وتشريد العلماء والطلبة، جفل العلماء وخلت حلقات الدرس وجفت ينابيع المعرفة، بل إن ذلك كان دافعا قويا لهجرة عدد من الأدباء وسكوت الآخرين. وقد رثى بعض الشعراء حالة الوطن بعد الاحتلال، وأنجبت المقاومة شعراء الفصيح والزجل، والأنصار والمعارضين. ولكن هذه الظاهرة انتهت تقريبا مع بداية الخمسينات من القرن الماضي، أي مع الجيل الذي كان شاهدا على وقوع البلاد في براثن الأعداء. وهكذا اختفى أمثال: محمد بن الشاهد، والأمير عبد القادر، وابن التهامي، بحلول سنة ١٨٥٠.
(١) كانت مصلحة الشؤون الأهلية التابعة للحكومة هي التي تنشر ما ترضى عليه من الإنتاج، وهو عادة ما كان يخدم المخططات الاستعمارية ويدعم المدارس الرسمية ويوفر النصوص للمستشرقين. وكان بعض الجزائريين مثل المجاوي والزريبي، ينشر إنتاجه في تونس، أو يبقى عمله محفوظا شأن الكتاب الذي أعلن عنه عبد الحليم بن سماية سنة ١٩٠٥.