وعانت حركة الشعر تبعا، لمعاناة تجربة التعليم بين ١٨٥١ - ١٨٨٠. فنحن خلال هذه الفترة لا نكاد نسمع بشاعر فصيح. وربما كانوا موجودين ولكنهم لم ينشروا شعرهم لأنه لا يوجد أين ينشرونه ولا من يتذوقه. ومهما كان الأمر فإن القليل من الشعر الذي بقي لا يدل على ثقافة أصحابه ولا على إخلاصهم لأن فكرة نبيلة. ولا شك أن الذى ملأوا الفراغ هم شعراء الزجل (الملحون). فهم الذين سجلوا الملاحم، ووصفوا الطبيعة والصيد والمرأة والمآسي التي تعرض لها الشعب، وهم الذين مدحوا أبطالهم من المجاهدين وبكوا أبناءهم ورفاقهم من الشهداء. أما القطع الباقية من الشعر الموزون فلا تكاد تخرج عن مدح بعض الفرنسيين، مثل نابليون الثالث أثناء زيارتيه للجزائر - ١٨٦٠، ١٨٦٥ - وتهنئة بعضهم بعيد الميلاد، كما فعل محمد الشاذلي مع بواسونيه. وقد احتفظت لنا الوثائق أيضا بنمادج من الشعر الإخواني كالذي تبادله الأمير ومحمد الشاذلي في سجن امبواز (فرنسا). وما دار بين الشاذلي ومصطفى بن التهامي وغيره من حاشية الأمير في نفس المناسبة. ولا بد من القول إنه لم تكن توجد عندئذ أية وسيلة لنشر الشعر. فالجريدة الوحيدة التي كانت تصدر بالعربية (المبشر) هي جريدة رسمية للإعلانات والتوجيهات الحكومية، ولا نعرف أنها نشرت من الشعر غير بعض القصائد في مدح القادة الفرنسيين أو بعض القطع لحسن بن بريهمات وأمثاله، وهي قطع في موضوعات اجتماعية ودينية غالبا تخدم أهداف الجريدة.
وهذا لا يعني أن الشعراء كفوا في هذه الفترة (١٨٥١ - ١٨٨٠) عن قرض الشعر. ولكن نلاحظ أن جلهم قد لجأ إلى شعر التوسلات والغوثيات، وما نسميه بالشعر الديني المتجه إلى التصوف والاستسلام للأمر الواقع، مع الضعف الشعري الذي يلازم ضحالة التعليم وانعدام الحوافز. ولم يكن هناك سوى مصدرين لتعليم متوسط ومحدود جدا خلال هذه الفترة، الأول وجود المدارس الثلاث الرسمية التي كانت تستقبل أعدادا قليلة من تلاميذ الزوايا وغيرها لتخرج منهم قضاة. والثاني الزوايا التي سمح لها بالاستمرار في