وهناك على الأقل ثلاث دراسات تناولت تطور الحركة الشعرية بالرصد والنقد: الشعر الحديث لصالح خرفي، والشعر الديني لعبد الله ركيبي، ثم الشعر الحديث لمحمد ناصر. ولعل ركيبي هو الوحيد الذي رجع إلى ما قبل سنة ١٩١٩ في بحثه عن الشعر الديني. أما الباحثان الآخران فقد ركزا على الفترة الثالثة المشار إليها. وكان خرفي قد عالج في بحث آخر الشعر في عهد الأمير. إن هؤلاء الباحثين قد درسوا النماذج والظروف وسير الشعراء والأساليب والمؤثرات. وها هي أعمالهم الآن مراجع هامة لتلاميذهم وغيرهم من الباحثين. وهناك دراسات قام بها باحثون آخرون، مثل الشعر عند فلان، ومثل أثر جمعية العلماء في الشعر، والشعر السياسي، والتجديد في الشعر، وغير ذلك من الجوانب. وقد قلنا إن الزحام قد بلغ أشده على هذا النبع حتى كاد يغيض.
وفي هذا الصدد يأتي الحديث عن التأثير الفرنسي في الشعر. ورغم أننا ندرس الشعر العربي فصيحه وشعبيه وما يتصل به من لهجات، فإن السؤال عن التأثير المذكور يظل قائما. فهل أثر الشعراء الفرنسيون في شعراء الجزائر سواء منهم شعراء العربية أو الفرنسية؟ إن بعض المصادر الفرنسية تذكر أنه قد مر بالجزائر أكثر من مائة شاعر فرنسي. ومنهم من تولى مسؤوليات إدارية. ولكن ما مدى صلتهم وتأثيرهم على شعراء الجزائر؟ فالشاعر شانسيل أصبح نائبا لوالي مدينة الجزائر. وقارن في شعره بين روما والجزائر، وتغنى بفتاة موريسكية، وله شعر عنوانه (الجزائرية الأولى) وآخر سماه (مليانة). وتغنى الشاعر الطبيب أوباسي بمدينة البليدة في مجموعته (المغربيات). وتحدث الشاعران الأخوان قونكور عن الفتى البسكري أو الزنجي الصغير سنة ١٨٤٩، وزعما أنه شعر بالحزن عندما رحل عنه الفرنسيون! وعلى هذا النحو طلب الشاعر شارل ماري لوفيفر من فرنسا أن تأتي لترى الجزائر (ابنتها الكبرى)(١). فهل هذه هي الأفكار التي سيؤثر بها الشعراء الفرنسيون على
(١) جاكلين بيلي (عندما أصبحت الجزائر فرنسية)، ص ٢٦٤.