للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نظرهم، في المجتمع الفرنسي، تماما مثلما اختفت نظم القضاء والمعالم الإسلامية والتراث.

رغم انتشار التعليم الفرنسي المحدود منذ أواخر القرن الماضي، ورغم وجود عدد من الجزائريين الذين درسوا الطب والأدب والقانون، فإننا لا نعلم أنهم أنتجوا شعرا بالفرنسية قبل الأربعينات إلا نادرا. إن هناك من بدأ قبل ذلك يكتب القصة والمقالة بها، ولكن الشعر كان آخر المحاولات. ولعل ذلك راجع إلى سيطرة التفكير العربي على العقل الجزائري، ذلك آن الشعر في أية لغة هو علامة على سيطرة تلك اللغة على عقل المتكلمين بها واندماجهم فيها. ونعتقد أن بعض المحاولات قد بدأت بين الحربين، بل في آخر القرن الماضي (١)، ولكنها لم تصل إلى درجة الإبداع بالفرنسية كما حدث بالنسبة للقصة والرواية. وكان هناك جزائريون معجبين ببعض الشعراء الفرنسيين، الأحياء والأموات، يقرأون لهم ويقلدونهم.

أما شعراء العربية فمن الممكن أن ننفي تأثير الشعر الفرنسي عليهم، رغم أن هناك إشارات تفيد أن بعضهم ربما قد تأثر بعض التأثر. لقد ترجم أحمد رضا حوحو، وهو في الحجاز، بعض أشعار فيكتور هيغو، وحوحو لم يكن شاعرا، ولا نعلم أنه نظم حتى شعرا تقليديا. وكان قد تخرج من مدرسة فرنسية في سكيكدة (الجزائر) قبل هجرته إلى الحجاز سنة ١٩٣٥ (٢). وكان الطاهر البوشوشي شاعرا بالعربية ويحذق الفرنسية، ولا ندري إن كان قد ترجم من هذه اللغة إلى العربية، أو نظم بالفرنسية أيضا، ولكن شعره العربي على قلته، عليه مسحة التأثر بالشعر الفرنسي. وقد قام إسماعيل العربي بترجمة بعض القصائد الفرنسية إلى العربية في الأربعينات، ولكنه لم يكن شاعرا أيضا. كما أننا لا نعلم مدى تأثر شعراء الوقت بهذه القطع المترجمة. والمعروف أن كبار شعراء العربية مثل عاشور الخنقي والديسي ومحمد العيد


(١) كما فعل محمد بن علي الجباري الذي قلنا انه نشر شعرا مترجما بالفرنسية في وهران سنة ١٨٨٣.
(٢) انظر عنه دراسة صالح خرفي (أحمد رضا حوحو في الحجاز)، بيروت ١٩٩٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>