للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كانت العلاقة وطيدة بين الشيخ القاسمي وعاشور. وقد كشف عاشور عن عدة جوانب منها، من ذلك أن الشيخ القاسمي هو الذي وظف عاشور في زاويته لتدريس العروض والمنطق. وكان عاشور قد قرأ الأوزان في نفطة على الشيخ المدني بن عزوز وأجازه فيها. وجاء عاشور إلى الزاوية الهاملية بزوجته (باية) وأقام بها هناك إلى أن توفيت، وقال إنها كانت تقرأ القرآن. وخصص له الشيخ راتبا بمائة فرنك من أحباس الزاوية فأغناه عن الناس، وكانت بينهما رابطة خاصة حتى أن الشيخ كان مستعدا للتنازل له على إحدى زوجاته - بعد العدة - لو لم يكن الشيخ عاشور متزوجا. هذا جانب، والجانب الآخر أن الشيخ القاسمي هو الذي قال لعاشور إنه عنده بمنزلة حسان بن ثابت، وكان يسميه (شاعري). وذكر عاشور أن الشيخ كان يطرب لشعره ويتواجد حتى يخرج عن أحواله الظاهرة. وهذا قد يدل على تذوق الشيخ للشعر وعلى طغيان النازع الصوفي عليه، رغم أن شعر عاشور ليس صوفيا كله ولا روحيا عميقا، وإنما هو شعر يمتاز بالجزالة والتدفق. والشيخ القاسمي هو الذي شجع عاشور على خوض معركة الدفاع عن الأشراف، وكان، كما يقول عاشور، مثله من البوازيد، رغم أن الذين ترجموا للشيخ القاسمي لم يهتموا بذلك (١). وعندما قرأ الشيخ القاسمي قصائد عاشور الكبرى والوسطى والصغرى قال: (أحيا الشرف في هذا الزمن المظلم، الله يحييه!).

والغريب أن الشيخ القاسمي إذا كان هو الذي شجع عاشور على التصدي لمن هاجموا الأشراف كما فهموا، مثل الشيخ محمد الصالح بن مهنة، فإنه لم ينقذه مما وقع له رغم مكانته عند الفرنسيين وعند الرأي العام. ويقول عاشور بصراحة إن الذي حمله على نظم منار الإشراف هو محمد بن أبي القاسم، وذلك عند ظهور دعوة ابن مهنة (حتى لا يقتدي به ضعفاء العقول)، ونفهم أن عاشور بقي سجينا أو تحت الإقامة الجبرية سبعة عشر عاما وبضعة أشهر، قبل سنة ١٩١١، فيكون قد سجن حوالي ٦ ١٨٩. ونحن


(١) انظر تعريف الخلف، ٢/، وكان مؤلفه يعرف الشيخ القاسمي جيدا.

<<  <  ج: ص:  >  >>