أبرق على وادي جدي ن يصعد ... فبشر أن الحي بالري مسعد
وسنذكر منها أبياتا في فقرة الفخر. ولكننا لم نعثر على أشعار أخرى له غير ما ذكره هو في ديوانه المطبوع أو ما قال إنه نظمه في الشيخين محمد بن بلقاسم الهاملي وعبد القادر المجاوي. ومهما كان الغرض الذي نظم فيه الشيخ عاشور فإن شاعريته تظل عندئذ بدون تحد، ولغته كانت حقا متينة، ولم يكن أحد من الأدباء قادرا، على مجاراته في الميدان. ولعل ما وقع له في قسنطينة لم يكن كله حسدا شخصيا، بل قد يكون وراءه أغراض أخرى. فالرجل قد هاجر في طلب العلم إلى نفطة وتغرب، ولكنه نال ما تمنى. ولم يكن المجاوي من المهاجرين في طلب العلم، ولكن والده هو الذي أنجبه في المغرب ورباه وعلمه في القرويين. وكان وراء المجاوي مصاهرة عائلة الأمير عبد القادر ولم يكن ذلك متوفرا لعاشور. وكان عاشور فيما يبدو هجاء سليط اللسان ومعتدا بشعره ونبوغه، ولم يكن المجاوي ولا ابن مهنة من الشعراء (١).
وقد حملت مسألة الشرف عاشور إلى مدح السلطان عبد الحميد الثاني ونقيب الأشراف في الدولة العثمانية أبي الهدى الصيادي. ونوه عاشور بالصيادي وشرفه وبكتابه (ضوء الشمس)، وجعل نسب البوازيد وبني عثمان واحدا. كل ذلك في وقت كانت السلطة الفرنسية فيه تراجع سياستها الإسلامية وتصد تيار الجامعة الإسلامية القادم، حسب الفرنسيين، مع عملاء الدولة العثمانية. ويبدو لنا أن سجن الشيخ عاشور وإبعاده عن مسرح الأحداث لم يكن كما فهمه هو من فعل ابن مهنة وأنصاره، ولكنه من فعل المخابرات الفرنسية، ومن فعل إدارة الشؤون الأهلية التي كانت ترى في لسانه وشعره وعلاقاته خطرا على سياستها في الجزائر. وتلفيق التهم التي أشار إليها عاشور كان أمرا هينا على أمثال دومينيك لوسيانى وجان
(١) عن حياة المجاوي انظر فصل السلك الديني والقضائي، وعن ابن مهنة انظر فصل اللغة والنثر الأدبي.