للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لهم. وقد راسل الجزائريون أيضا بالشعر حتى الصحف العربية الصادرة في تونس ومصر وإسطانيول، كما سنذكر.

وكان الكبت السياسي قد أدى إلى أن يلجأ الشعراء إلى الرمز وأساليب غير مباشرة في التعبير عن خلجات أنفسهم. وقد استعمل الشاعر سعد الدين خمار أسلوب الغزل في موضوع سياسي. وخمار هذا ابن بيئة عربية مثقفة، هي بسكرة، أوائل هذا القرن، وكان أحد أفراد أسرته من أعيان العلماء المدرسين عندئذ، وهو بلقاسم خمار (١). وقد تخرج سعد الدين من زاوية طولقة التي عرفت بنضالها من أجل التعليم العربي والقرآني والديني خلال القرن الماضي. وهو شاعر قوي وله ثقافة سياسية فائقة رغم الجو المكبوت الذي عاش فيه. وقد نشر عدة قصائد في جريدة (الفاروق) التي أنشأها عمر بن قدور سنة ١٩١٣. وكانت الفاروق نفسها جريدة سياسية إسلامية مصلحة، وعارضت التجنيد الإجباري وانتصرت لحركة الجامعة الإسلامية ووقفت ضد إيطاليا في حربها ضد ليبيا. ولا شك أن الشاعر خمار قد نظم الشعر قبل ذلك، وربما لم ينشر منه إلا ما لا يغضب الفرنسيين، وقد يكون نشر في الجرائد المتوفرة مثل المغرب وكوب افريقية، أو جرائد تونس. ولكن القصيدة التي قيل إنه نشرها في الفاروق وجلبت إليه البلاء والاعتقال والسجن والتعذيب، هي التي عنوانها (في الغزل السياسي)، ومطلعها (٢):

أراك سليب الفكر ناهزك الضر ... وخافية الإنسان ويدلى بها الجهر

وقد اشتهرت هذه القصيدة بين الأدباء والسياسيين. وقام بعضهم بتخميسها مثل الشاعر الجنيد أحمد مكي (٣). ويرجع ذلك إلى موضوعها وجرأة صاحبها، وقد قيل انه عذب لأجلها، وكان مصيره التغييب والإهمال،


(١) انظر عنه فصل التعليم.
(٢) ورد اسم الشاعر في شعراء الجزائر على أنه بلقاسم بن الخمار، ونحن نفرق بين سعد الدين وبلقاسم. وقد نشرت القصيدة في جريدة (الفاروق) عدد ٥٥، ١٩١٤، انظر صالح خرفي (الشعر الجزائري الحديث).
(٣) شعراء الجزائر ١/ ٩٥، أيضا دبوز (نهضة الجزائر)، ١/ ٤٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>