للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتفرق الناس في مختلف الاتجاهات. ولكنه مع ذلك لم يكن يائسا من إنقاذها ذات يوم، وقد علق ذلك على إرادة الله.

وقد خاطب ابن الشاهد سور الجزائر، وهو يعني بذلك القصبة أو القلعة، رمز القوة والحصانة في الماضي. وكيف أصبح السور بعد الاحتلال وقد لبس السواد وتوشح بالحزن على فقد العلماء والفرسان. ونحن نورد القطعة على طولها بعض الشيء، لأهميتها ولأنها متماسكة الأجزاء (١):

أمن صولة الأعداء سور الجزائر ... سرى فيك رعب أم ركنت إلى الأسر

لبست سواد الحزن بعد مسرة ... وعمت بواديك الفتون بلا حصر

رفضت بياض الحق عنك فأصبحت ... نواحيك تشكو بالأمان إلى الجور

ولثم درس العلم، والجهل عسعس ... ونادى بتعطيل العلوم عن النشر

وناح على الأسواق طير خرابها ... فأصبح فأس الهدم ينبئ بالغدر

أصبت بسهم عن عيون سهامها ... تزاد عن المعيان بالشفع والوتر

فأظهرت للأعداء وجه ملاحة ... وأوزت للأحباب وجها من النكر

عليك لقد أجريت نهر مدامعي ... وفيك استحق العقل سكرا بلا خمر

نقضت عهودا بالوداد تقررت ... وواليت أقواما تمالوا على ضر

فجاسوا بروجا للحروب تشيدت ... وداسوا ديارا بالنواهي وبالأمر

ونالوا من الأموال يسرا ميسرا ... وفازوا بها والقلب يصلى على الجمر

ومن لطفه أن السيوف أتت لنا ... وسلت على الأشجار تقطع بالثمر

فضجت أناسي والعقول تولهت ... وباتوا على حر الفراق بلا فكر

فباعو انفائيس المتاع ببخسها ... وهاموا حيارى في الفيافي وفي البحر

فآه على جهدي وما به منعة ... وآه على داري يسود بها غيري


(١) هذا النص أخذناه من نسخة تونسية (مخطوط رقم ١٦٥١١، المكتبة الوطنية، تونس) ورقة ٨٦ - ٨٧. وفيه بعض الاختلاف مع النص الذي نشرناه في تناولنا لحياة ابن الشاهد انظر (تجارب في الأدب والرحلة)، ط. ١، ١٩٨٢. وقد عثرنا على بعض القطع الأخرى لابن الشاهد بعد ذلك، ولكنها ضاعت منا سنة ١٩٨٨، ولم نستطع تعويضها لأننا نسينا المصدر.

<<  <  ج: ص:  >  >>