ومن ذلك انتصار الأمير للبادية على الحاضرة. وكان بعض الفرنسيين قد تناقشوا في ذلك وبلغه اختلافهم وقرارهم بتحكيم الأمير في الموضوع. فأجاب:
يا عاذرا لامرئ قد هام في الحضر ... وعاذلا لمحب البدو والقفر
لا تذممن بيوتا خف محملها ... وتمدحن بيوت الطين والحجر
لو كنت تعلم ما في البدو تعذرني ... لكن جهلت وكم في الجهل من ضرر
ما في البداوة من عيب تذم به ... إلا المروءة والإحسان بالبدر
من لم يمت عندنا بالطعن عاش مدى ... فنحن أطول خلق الله في العمر
وهي قصيدة طويلة وسهلة التعابير وعميقة المعاني. وقد أظهر الأمير فيها أنه فخور ببيئته لطهارتها وجمالها. كما وصف الأمير القصر الذي بناه في ضاحية دمر - قرب دمشق، فقال فيه:
عج بي فديك! في أباطح دمر ... ذات الرياض الزاهرات النضر
ذات المياه الجاريات على الصفا ... فكأنها من ماء نهر الكوثر
وكذلك وصف ناعورة وهو في طريقه إلى حماة، وشبه صوت النواعير بحنين الحوار إلى أمه. فهو يستمد تشابيهه من الطبيعة والبادية. وكان قد نشأ في حضنها في القيطنة بالقرب من معسكر، وكم تتشابه الطبيعة في المكانين: معسكر وسورية.
وللأمير شعر عميق في التصوف يطول بنا الحديث لو حاولنا وصفه ونقلنا منه. والعلاقة بين الطبيعة والتصوف وطيدة. وكان الأمير متصوفا بالطبيعة، فهو من بيئة تعيش على الدين والطريقة القادرية. وكان جده ووالده وأخوه الأكبر قد تولوا شؤون هذه الطريقة. وعندما كان في حالة الحرب وصفه الفرنسيون الذين شاهدوه عن كثب واجتمعوا به أنه كان رجل الجهاد والدين والتصوف سواء في حديثه وتفكيره أو في تصرفاته وسلوكه. ولكن شعر التصوف لم يظهر عنده إلا منذ انتهت حروبه وغدر به الفرنسيون فأخذوه سجينا وأسيرا في بلادهم بدل حمله إلى الجهة التي طلبها واشترطها في