للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الاتفاق بينهم وبينه. ففي سجن أمبواز ضاق به الحال، وتذكر أهل التصوف فأخذ يستنجد ببركتهم وبشفاعة الرسول (صلى الله عليه وسلم)، وكان من نتيجة ذلك قصيدته:

ماذا على ساداتنا أهل الوفا ... لو أرسلوا طيف الزيارة في خفا

يا أهل (طيبة) ما لكم لم ترحموا ... صبا غدا لنوالكم متكففا

لا تجمعوا بين الصدود وبعدكم ... حسبي الصدود عقوبة فلقد كفى

قلبي الأسير لديكم والجسم في ... أسر العداة معذبا ومكتفا

وفي البيت الأخير عبر الأمير عن حالته النفسية. فهو أسير القلب والجسم. قلبه في طيبة عند أهل الوفاء والسادات الكرام وعلى رأسهم الرسول (صلى الله عليه وسلم)، وجسمه معذب في قبضة الفرنسيين الغدارين. وأي عذاب أكثر من الجمع بين عذاب الروح والبدن!.

ولقد تعمقت نظرته الصوفية منذ وصل إلى المشرق، ثم أدى فريضة الحج مرة ثانية بعد نحو عشر سنوات من حلوله بالمشرق (١٨٦٤). وكانت الطرق الصوفية نشيطة هناك، فالرفاعية في حلب واسطانبول، والنقشبندية في الحجاز وغيره، وكان أعيان المثقفين الذين لم يجدوا لهم مكانة في السياسة والمجتمع قد اندمجوا في الحياة الروحية ظاهريا على الأقل. إن التصوف كان هروبا من الواقع الذي سيطر فيه الغرب على الدولة العثمانية وسيطرت فيه هذه على العقول الإسلامية بنظام استبدادي وحكم بائد ومتخلف وتقاليد عتيقة. وشاعت الانتماءات إلى الأشراف، والقيام بالأوراد وحلقات الذكر والتفنن في الأناشيد والأدعية. والتقرب من ذوي النفوذ والسلطان بأساليب معظمها شيطانية. وماذا يفعل المتصوفة الصرحاء؟.

في مكة جاور الأمير واقترب من شيخ يدعى محمد الفاسي الذي أدخله في الطريقة النقشبندية. ومارس الرياضة الروحية في أجواء طيبة التي طالما حن إليها. وتحقق له الحلم، فاختلى بنفسه وذهب إلى غار حراء يتعبد ويجاهد النفس. وروى ابنه محمد أن والده قد جاءته البشرى بالمرتبة العليا، وإن كرامات وخوارق قد لاحت له. وقد التقت هذه الحالة عند الأمير بحالته

<<  <  ج: ص:  >  >>