للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأولى أي استعداداته الطبيعية لهذا الضرب من الحياة. ومهما كان الأمر فإن الشعر قد عبر عن هذه النقلة من مرحلة إلى أخرى:

أمسعود جاء السعد والخير واليسر ... وولت جيوش النحس ليس لها ذكر

ليالي صدود وانقطاع ووحشة ... وهجران سادات، فلا ذكر الهجر

فراشي فيها حشوه الهم والضنا ... فلا التذلي جنب ولا التذلي ظهر (١)

ومنذ هذه الرحلة تعمق الأمير في عالم التصوف. وقد قضى العشرين سنة الأخيرة من حياته باحثا عن الحقيقة الإلهية. فألف كتاب المواقف بعد هذه الرحلة. ولكن أسفاره ومعيشته واستقبالاته وتمتعه بالحياة الدنيا تدل على أنه لم يتجرد للتصوف والزهد، كما قد يتبادر إلى الذهن.

ومن شعر الوصف لدى الطيب بن المختار قصيدته في وصف صقلية. وكانت المناسبة هي نزول الشاعر والوفد الذي كان يرافق الأمير بهذه الجزيرة، في رحلتهم إلى المشرق بعد إطلاق سراحهم (ديسمبر ١٨٥٢). وقد جاسوا خلالها واستحضروا تاريخها العربي والإسلامي. ورأوا كيف تحولت حالتها وحالت آثارها. ففاضت شاعرية الشاعر بأبيات تذكر المرء بما قاله أبو البقاء الرندي في الأندلس المفقودة، مع فارق الزمن والعاطفة. يقول الطيب بن المختار:

هذي صقلية لاحت معالمها ... تجر تيها ذيول الريط من أمم

دار أقر لها بالفضل ذو نظر ... والفضل ما شهدت فيه ذوو الهمم

كانت منار هدى كانت محط ردى ... كانت سماء شموس الفضل والكرم

هذي منازلهم تبكي مآثرهم ... بكاء طرف قريح بات لم ينم

هذي المساجد قد دكت قواعدها ... هذي المآذن بالناقوس في سقم

ومن جميل ما في القصيدة هذا الربط بين الأثر والإنسان، بين الجامد


(١) العمدة في شعر الأمير على (تحفة الزائر)، سيما الجزء الثاني، وكذلك (نزهة الخاطر) أو ديوان الأمير. وقد أورد الحاجري في (جوانب من الحياة العقلية) نماذج من شعر الأمير أيضا مستقاة كلها من تحفة الزائر. انظر أيضا كتاب المواقف.

<<  <  ج: ص:  >  >>