للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قد ذكر الصهيونية دون الربط المباشر بينها وبين موت جلواح. والغالب أن الصهيونية عندئذ كانت تحاول أن تحمي نفسها أكثر مما كانت تنتقم من خصومها. ومع ذلك فإن كل هذه الاحتمالات لا تقدم الجواب على قتل أو انتحار الشاعر جلواح.

ترك جلواح ديوانا سماه (دخان اليأس)، وهو يشمل، حسب عبد الله ركيبي، ستين قصيدة. وهي ليست كل شعره. ذلك أن له أشعارا ما تزال مفرقة في الصحف وفي أيدي الناس، ولو جمعت لاكتمل منها ديوان كبير. ونفهم من ذلك أن شعر جلواح تناول مختلف الأغراض، بما فيها الإصلاح والتحرر والذاتية والوصف. وقد رأينا له قصائد في البصائر وأخرى مما نشره له الركيبي، فإذا بها تقدم لنا شاعرا فريدا. كان جلواح في غمرة الحركة الرومانتيكية التي غزت الوطن العربي منذ الحرب الأولى تقريبا. وكان الشابي في تونس يغني لها أجمل أشعاره، وفي الجزائر اقترب منها محمد العيد ولكنه ظل أسير الدين والإصلاح والتقاليد الشعرية، وسرعان ما اختفى رمضان حمود (١٩٢٦)، ولم يفرض البوشوشي نفسه كشاعر غنائي. أما جلواح فكانت الغربة (نحو المغرب ثم فرنسا)، تزيده اغترابا عن المجتمع، ولذلك انتج قصائد في غاية الروعة الجمالية والعاطفية. والاغتراب كان أحد ميزات الشاعر الرومانتيكي. ولكن المثقفين المعاصرين كانوا في أغلبهم من (المصلحين) وهم الذين كانوا يسيطرون على الصحف الحرة والنوادي والجمعيات. ولم يكن بوسع جلواح المتحرر الثائر بمحكم مزاجه واختياره الشعري، أن ينتمي إلى الصحف الرسمية أو الطرقية. ونعتقد أن بعض قصائده كانت تجد طريقها للنشر بسبب اختياره لفنه الشعري. وإن أشعاره (المرفوضة) ربما ما تزال في أوراقه، وقد تكون من أجود شعره.

ويذكر الركيبي أن جلواح قد تغنى بالطبيعة والمرأة، وأنه مجد العروبة والوطنية. وحظيت ابنته ببعض شعره. ويعتقد أن جلواح كان مجددا ومتحررا، وأنه قد خرج عن المألوف - التقاليد- مما سبب له المقاطعة أو

<<  <  ج: ص:  >  >>