وطالما ألف المؤلفون حول أشراف غريس، ولكن دخول الشعر الشعبي هذا الميدان أمر يلفت النظر. وقد اتخذ الشعراء مسألة الأشراف حجة للبكاء على الماضي وضياع المدن وضعف الدين وتدخل الفرنسيين في الحياة الخاصة للمسلمين كفرض الضرائب، ويسمونها (المغارم). والغرايم. والشعراء يوجهون خطابهم (للمسلمين)، كما نقول اليوم (أيها الشعب). وهذا الشيخ ابن عثمان يتأسف على أن الأوضاع قد انقلبت مع الاحتلال الفرنسي فتقدم الوضيع على الشريف، وامتاز النحاس على الذهب، معتبرا ذلك من عجائب الزمان. وقد ذهب ديبارمي الذي راجع (الكنز المكنون) عند ظهوره إلى أن هذه الأفكار موجودة عند أهل الزوايا الذين يكنون بغضا شديدا للفرنسيين ويستعملون التقية ضدهم.
والظاهر أنه لا صلة بين مؤلف الكنز المكنون والعقيد الذي حمل الهدية الفرنسية إلى الشريف حسين بالحجاز سنة ١٩١٦، رغم أنهما متعاصران. وكلاهما يلقب (قاضي)(١)، وقد نوه محمد قاضي في الكنز بمكانة العرب في الشعر قاتلا إنه عندهم سجية، سواء منهم المتعلم والأمي، والعرب هم الشعب الوحيد الذي ينظم مبادئ العلوم شعرا، رجزا وغيره، كنظم المتون النحوية والفقهية والطبية، ونحوها. لأن النظم عندهم سليقة. وافتخر المؤلف بالآباء والأجداد في هذا المجال، ولمح إلى أن الفرنسيين قد حاربوا اللغة الفصحى التي هي الأصل في النظم، ولكن الجزائريين لم يتوقفوا عن النظم فقالوا الشعر الملحون غير المتقيد بالقواعد النحوية والعروضية. ونصح باتباع السلف في ذلك، وشكر الله الذي (أكرم وطن إفريقية بشعراء عظام من فحول العرب (الذين) تركوا لنا كلاما نفيسا يجد القارئ فيه الفصاحة والبلاغة والحكمة).
وكان دافعه على التأليف هو الخشية من ضياع الشعر الملحون وتلاشيه من الجزائر. لأن الجيل الجديد غير مهتم به ولأن الشعر نفسه قد أصابه
(١) عن العقيد قاضي انظر فصل المشارق والمغارب وفصل التاريخ والرحلات.