الإهمال، فأصبح مجهولا عند الكثير من الناس. وهكذا فإن جمعه للقصائد وتقديمها للطبع كان بدافع الرغبة في حفظها وانتفاع الجزائريين (المسلمين) بها، والتذكير بالأسلاف الأطهار، والإطلاع على أعمالهم وعصرهم وإنجازاتهم، فلعل الجيل الجديد على التشبه بهم. وهكذا فإن رسالة محمد قاضي تبدو (وطنية)، فهو يخاطب المعاصرين الذين ابتعدوا عن أسلافهم ويدعوهم إلى الرجوع إلى مآثرهم عن طريق الشعر الملحون، وهو الوسيلة الوحيدة الباقية من تراثهم الأدبي.
ولكن محمد قاضي أخذ يحث الناس أيضا على الصبر على الشدائد والمحن، وعدم العجلة التي فيها الندامة، ووجوب طاعة الرؤساء وذوي السلطان (وهم الفرنسيون) امتثالا، لقول العرب (إدفع حق السلطنة وارقد بالباب) وقولهم: (جانب السلطان واحذر بطشه). ونصح الناس باتباع سياسة اللين حتى مع العدو (كيف يسوس العدو حتى يرجعه حبيبا، ويتلاطف مع الحبيب ويغفر له عثراته ...) ثم أضاف: (ومن كان بقرية أجنبية فلا يتداخل في أمور أهلها ولا يجعل منهم عدوا، ويعرف مقامه مقام الأجنبي، ولو بلغ ما بلغ). وعاتب من كان ينظر إلى الأجنبي على أنه لا فائدة منه، ذلك أن المؤلف يرى أن في الأجنبي فوائد عظيمة. ومن غريب قوله إن (الأرض (الجزائر؟) ليست هي لمخلوق ... وإذا نظرنا المسألة على الوجه الشرعي فنجدها للدولة الفرنساوية من حيث أخذتها عنوة، كما كانت لأسلافنا في السابق). وإذا كان الإنسان ضعيفا، فعليه في نظر المؤلف، أن لا يعاند القوي ولو ظلمه (١)!.
إن محمد قاضي قد استعمل لغة الرموز في معالجة الوضع بالجزائر سنة ١٩٢٨، وهي فترة الاستعداد للاحتفال المئوي بالاحتلال، وبداية الصحوة الوطنية. ولعله تأثر بالشعر الملحون نفسه، لأن الشعراء قالوه بطريقة رمزية
(١) محمد قاضي (الكنز المكنون في الشعر الملحون)، ط. الثعالبية، الجزائر، ١٩٢٨. وجاء في الغلاف أن المؤلف كان المحامي الشرعي بتيارت.