والطرز كان أحد الصناعات التقليدية الرائجة والمتجددة. وله أماكن مشهورة وهي العاصمة وقسنطينة ووهران. وقد أخبرنا فانتور دي بارادي منذ آخر القرن ١٨ أن الذوق الجزائري يظهر حقيقة في المطروزات. وأكد ذلك روزي الذي رافق الحملة الفرنسية وكان في قيادة أركان بورمون، بعد تجواله في المدن التي وقعت تحت الاحتلال (١). وكانت المطروزات تظهر على الحرير وعلى قماش الملف بالألوان المنسجمة، وكان اللون البنفسجي بالخصوص يستعمل في الطرز على الحرير. أما الألوان الأخرى، فهي الأحمر والأزرق وأحيانا الأخضر والأصفر، وحتى الأزرق الفاتح، وكانت تستعمل أحيانا كإضافات. وقد تجول روزي في العاصمة والقليعة عندئذ ورأى الشال (المنديل الكبير) المطروز يباع هناك، مع العلم أن هذه الصناعة قد تأثرت بالاحتلال وبالهجرة التي ذكرناها وغلق المحلات وكساد التجارة.
ولم يكن لباس المطروزات خاصا بالنساء بل كان الرجال يلبسون المطروز أيضا، وكان ذلك من علامات الثروة والأبهة والذوق السليم. ويذهب بعض النقاد إلى أن العثمانيين هم الذين أدخلوا الطرز، وهو قول مارسيه، ولكن المعروف أن الأندلسيين قد برعوا في هذا الفن. فالقول بأن الجزائر مدينة في صناعة الطرز (للأتراك) فيه مبالغة ظاهرة. والعبارة في حد ذاتها غير دقيقة لأن التأثير عموما كان شرقيا، بمعنى أن الصناعة قد تكون شامية أو فارسية وليست (تركية) بهذا المعنى. وللشام علاقة وطيدة بالأندلس وفنونها. ومن جهة أخرى فإن الذوق الوطني أو المحلي كان واضحا في المطروزات، يظهر ذلك في العقود الفنية والأشجار والغصون والتشابكات وانسجام الألوان. ومن عادة الفرنسيين أنهم يجردون الجزائريين من كل شيء حتى الذوق والفن، فقد قالوا إن قيمة المطروزات لا تظهر في الجودة والاتقان والذوق ولكن في كمية الذهب الذي تشتمل عليه. أما المطروزات
(١) روزي في كتابه (رحلة في إيالة الجزائر)، ١٨٣٣، نقل عنه ميرانت، مرجع سابق.