للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذاتها فهي (خشنة)، حسب تعبيرهم (١). وسنرى أن محاولات فرنسية ستجرى لتجديد الفنون التقليدية، ومنها الطرز.

واشتهرت عائلات جزائرية بالطرز الجيد فأصبحت متخصصة فيه، كما اشتهر فيه أفراد يشار إليهم بالبنان، مثل محمد بن الحاج الذي عرف عنه أنه كان يطرز الأقمشة الحريرية بالذهب والفضة. ويشمل ذلك الأحزمة والمناديل والفوطات. ومنذ ١٨٤٥ التفت الفرنسيون إلى هذا الفن، وبدأوا يهتمون به، بعد أن لاحظوا تدهوره واتجاهه نحو الانقراض. وكان الطرز في بداية الاحتلال مصدر دخل لمن يصنعه، كما كان تجارة رابحة للسواح الأوروبيين الذين تهاطلوا على الجزائر. ولذلك أسست السيدة لوس (المعروفة أيضا أليكس)، باتفاق مع المارشال بوجو، مدرسة للطرز، وجلبت إليها بعض الفتيات الجزائريات لتروج هذه الصناعة من جهة، ومن جهة أخرى لتنشيط الحركة التجارية فيها مع السواح، ثم الدخول عن طريقها إلى دواخل الأسرة الجزائرية المنغلقة على نفسها في نظر الفرنسيين. وهكذا أصبح فن الطرز لا يذكر مع العائلات والأفراد الجزائريين المتقنين له، ولكن يذكر على أنه إنتاج مدرسة لوس أو ابن عابن وغيرهما. فالنقاد الفرنسيون نسوا دور الجزائريين المباشر وأصبحوا يتحدثون عن ورشات الطرز التي تأسست بجهود فرنسية وما أخرجته من تلميذات جيلا بعد جيل، فتلك الورشات هي التي استخرجت حسب تعبير بوجيجا (سر هذا الفن) بعد أن أحيته لوس ومررته عبر الأجيال (٢). أما محمد بن الحاج وأمثاله فقد نسي الناس حتى أسماءهم. وهكذا يكون الاحتلال لم يستول على الأرض ويسقط الدولة فقط ولكنه استولى أيضا على الفن واغتصبه من أهله وبنى على جهودهم جدارا يحجبها عن الأجيال.

وكان النسيج من الصناعات التي تفتخر بها الجزائر. وقد كانت له


(١) ميرانت، مرجع سابق.
(٢) بوجيجا، مرجع سابق، ص ٣٩٥. عن حيا ودور لوس، انظر فصولا أخرى.

<<  <  ج: ص:  >  >>