بعض علماء المغرب كانوا يقصدون الجزائر لأغراض مختلفة.
ومن أسباب هجرة العلماء الجزائريين تورط بعضهم في المشاكل السياسية المحلية. وقد حدث ذلك لعيسى الثعالبي الذي كان محظي يوسف باشا، كما أسلفنا، وحدث أيضا ليحيى الشاوي. وكلاهما هاجر إلى المشرق. ومنهم أيضا ابن الترجمان، وهو علي بن محمد الجزائري (من مدينة الجزائر) الذي قال عنه الجبرتي إنه كان (أحد أذكياء العصر، ونجباء الدهر، من جمع متفرقات الفضائل، وحاز أنواع الفواضل، الصالح الرحلة ..) وقد ولد ابن الترجمان بمدينة الجزائر سنة ١١٣٠، وهو من عائلة تنتمي إلى الشرف. وقد حصل كثيرا من العلوم. وممن أجازوه المنور التلمساني.
وكانت لابن الترجمان حياة مليئة بالمغامرات والتقلبات. ولعل ذلك كان سبب بلائه وموته بعيدا عن بلاد الإسلام. فقد أقام بمصر طويلا وبنى بها دارا حسنة قرب الأزهر. وكانت له بها مكانة خاصة لدى الأمير أحمد آغا، أمين دار ضرب السكة. فكان لا يفارقه وهو الذي أغدق عليه العطايا. وكان ابن الترجمان أيضا كثير الشعر والترحال. وكان رغم ترحاله يدعي أنه لا يستغني عن النساء، فكان يصطحب معه واحدة أو اثنتين منهن. وقد سافر إلى أناضوليا وحظي عند (أرباب الدولة) بمقام كبير، واشتهر عنه أنه صاحب عشرة حسنة. وصادف سفره إلى إسطانبول استعداد الدولة العثمانية للجهاد ضد روسيا. فكتب ابن الترجمان إلى السلطان مصطفى يخبره أن من قرأ استغاثة أبي مدين الغوث في الجهاد حصل له النصر على عدوه. ولكن السلطان كان أذكى منه إذ دعاه أن يشترك بنفسه في الجهاد وأن يدعو بنفسه أيضا باستغاثة أبي مدين. وتذكر المصادر أن ابن الترجمان قد توجه (رغم أنفه مع المجاهدين) ولكن الدائرة دارت على الجيش العثماني فأسر ابن الترجمان مع الأسرى المسلمين وأخذ إلى روسيا ومات مأسورا في موسكو (شهيدا غريبا) لأن أحدا لم يتقدم لافتدائه أو يفاوض عليه، كما يقول الجبرتي. وكانت وفاته سنة ١١٨٥.