للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقصة ابن الترجمان تذكر المرء بقصة رحالة آخر ومغامر مثله، وهو عاشور القسنطيني المعروف بالفكيرين. فقد كان والده من علماء قسنطينة، وتنقل عاشور في الأرض كثيرا فدخل بلاد السودان وتونس وحج وتولى وظائف التدريس وخصوصا في تونس. ولما رجع إلى قسنطينة صادف (مظلمة) فاختار الخروج منها ثانية ولم يعد إليها. فقد أدركته الوفاة مهاجرا في مكة المكرمة سنة ١٠٨٧ (١). ومهما يكن من شيء فإن الأوضاع السياسية والاقتصادية والمظالم هي التي كانت السبب في هجرة عاشور الفكيرين الأولى والثانية.

وهناك شخصية غريبة أخرى اختارت مصر مستقرا لها، ومع ذلك لا نعرف عنها إلا القليل، فقد روى الجبرتي أن أحمد الجزائري (ويسميه أبا العباس المغربي) الذي كان من صحراء عمالة الجزائر قد دخل مصر صغيرا وتتلمذ على مشائخها، مثل علي الصعيدي، ومهر، كما يقول الجبرتي (في الأدب والفنون)، ثم أذن له في التدريس فصار يقريء الطلبة برواق المغاربة، وشاع أمره وذاعت أخباره لفصاحة لسانه وجودة حفظه. وبعد أداء الحج سنة ١١٨٥ والمجاورة بالحرمين عاد إلى مصر وأصبحت له فيها مكانة عالية، وعظم أمره حتى أشير إليه بالمشيخة في الرواق ولكن تعصب البعض ضده، فلم يحصل له ذلك. وكل ما حصل عليه أحمد الجزائري هو نظارة المدرسة الجوهرية. وكان لذلاقة لسانه وكثرة أتباعه له خصوم أيضا. فقد قال عنه الجبرتي إنه كان (يتقى شره). وقد توفي سنة ١٢٠٢ (٢).

وما تزال حياة أحمد بن عمار غامضة في نهايتها على الأقل. فنحن نعرف أنه أيضا قد حج وجاور بالحرمين مدة طويلة، وأنه ذهب إلى تونس


(١) انظر حياته في فصل التاريخ من الجزء الثاني.
(٢) الجبرتي، (عجائب الآثار) ٢/ ١٧٨. وهناك أحمد الجزائري آخر كان حيا سنة ١٢٤٣ من حيث رآه دولابورت الفرنسي ولين الإنجليزي في القاهرة يمارس السحر عن طريق النظر في مرآة الحبر، وكان مثار الفضول عند العامة وحتى عند الخاصة، لما كان يأتي به من (العجائب). انظر (المجلة الإفريقية)، ١٩٠٥, ٢١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>