الأبواب مفتوحة لجميع الإدعاءات فأصبح خطيبا. وهذه المهنة لا تحتاج إلى علم غزير في وسط غير مثقف ولا سيما من رجل قادم من المشرق. ثم أصبح مدرسا وادعى أنه أستاذ في الفلك والأدب والحديث ونحو ذلك.
ولم يقتصر نشاط الشيخ فتح الله على ادعاء العلم بل ادعي أيضا معرفة الكشمير وصباغة الحرير ومحلول العطور. ومعنى ذلك أنه جمع بين العلوم والحرف. وتطور به الأمر فاتصل بأرباب السلطة وأصبح خطيب جامع القصبة وناظر مدرسة سوق الغزل ثم خطيب جامع سيدي الكتاني، وظل في هذه الوظيفة إلى وفاته. وقد وصل به الأمر أن صار مفتي الحنفية عدة سنوات وتولى وكالة الأوقاف سنتين وقضاء الحنفية. وكان مجيئه إلى قسنطينة قبيل ١١٨٥ (١). وياما أكثر العلماء الذين ادعوا العلم والولاية والمعرفة الدينية والدنيوية في الجزائر وتسلموا أزمة الأمور وأصبحوا لا منازع لهم إلا من سلموهم السلطة طبعا! وقد ذكرنا من قبل قصة ورود حسين الجزائري الخطاط.
وقصة الشيخ فتح الله تذكر المرء بقصة ابن الأحرش المغربي الذي كاد يزعزع بثورته السلطة العثمانية في الجزائر أوائل القرن الثالث عشر. كما تذكرنا بالكثير من المغامرين المعروفين باسم (محمد بن عبد الله) الذين كانوا يظهرون من وقت لآخر كأنهم المهدي المنتظر أو رجل الساعة. فقد كان لعلماء المغرب حركة واسعة في الجزائر في العهد المدروس لأسباب عديدة، منها أن المنازعات السياسية على الحكم في المغرب كانت تؤدي ببعض العلماء إلى نشدان الهدوء والاستقرار في الجزائر كما حدث لعلي بن الواحد الأنصاري وأبي القاسم الزياني. ومنها أن مجالات العمل في الجزائر كانت مفتوحة أمامهم سيما وأن العثمانيين كانوا يفضلونهم على الجزائريين لأسباب سياسية تقتضي تقريبهم وكسب ودهم ليوم الحاجة. ومنها أيضا أن
(١) ما تزال قصة الشيخ فتح الله غامضة. ويمكن الرجوع عنه إلى (تاريخ حاضرة قسنطينة) لأحمد المبارك.