للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المغاربة كانوا يتخذون من الجزائر طريقا للحج بحرا وبرا. وكثيرا ما كانوا ينزلون بالمدن الجزائرية ويسألون عن العلماء ويختلطون بالناس ويشترون منهم ويجيزون ويستجيزون، كما سنرى. وكان بعضهم يأتي إلى الجزائر في مهمات دبلوماسية مثل وفادة الوزير الغساني (١) وأحمد الغزال (٢). وأخيرا فإن سمعة بعض العلماء في الجزائر كانت تجلب إليهم الأنظار وتجعل بعض علماء المغرب يرحلون للأخذ عنهم كما فعل ابن زاكور. ولعل بعض هؤلاء العلماء كانوا أيضا يمارسون التجارة بين المغرب والجزائر أو يبثون المذاهب الصوفية بين الجزائريين. وعلى كل حال فإن هذه الأسباب وغيرها كانت تجعل الجزائر مجالا واسعا لعلماء المغرب. ولذلك فإن كثيرا من الكتابات في هذا العهد توجد في آثار علماء المغرب.

ويبدو أن اختلاف النظم السياسية بين المغرب والجزائر كان رحمة على العلماء. فبقدر ما كان سلاطين المغرب يقربون علماء الجزائر ويعطونهم مثاقيل الذهب ويوفرون لهم الكساء والسكن والاحترام، بقدر ما كان باشوات الجزائر يستقبلون بعض علماء المغرب ويقدمون لهم المال والوظيف والوجاهة. فهذا علي بن عبد الواحد الأنصاري قد جاء إلى الجزائر هروبا من أوضاع سياسية كان غير راض عنها. ومن المعروف أن المؤرخ والوزير أبا القاسم الزياني قد اختار الإقامة في الجزائر وأن معظم إقامته كانت في تلمسان لأسباب سياسية أيضا (٣). وقد ألف بعض أعماله في الجزائر وعثر فيها على


(١) بعثه السلطان إسماعيل إلى الجزائر للمفاوضة بعد هزيمة الجيش المغربي في معركة المشارع عند وادي ملوية. وكان ذلك سنة ١١٠٣. وقد توفي الغساني سنة ١١١٩، وهو صاحب (رحلة الوزير في افتكاك الأسير).
(٢) جاء الجزائر سنة ١١٨٢ في مهمة تتعلق بإطلاق سراح الأسرى الإسبان في الجزائر مبعوثا من السلطان. وقد توفي سنة ١١٩١ بفاس. وهو تلميذ أحمد بن عمار كما سنذكر في حينه. وللغزال رحلة أيضا تسمى (نتيجة الاجتهاد في المهادنة والجهاد).
(٣) انظر الزياني (الترجمانة الكبرى) تحقيق: عبد الكريم الفيلالي، المغرب ١٩٦٧، ١٤٤ وهنا وهناك.

<<  <  ج: ص:  >  >>